صحافي تونسي يتسأل..كيف ستكون سبتة ومليلية في 2030؟
ما الذي يخطط المغاربة لفعله قبل بلوغ تلك السنة التي تبدو لهم مفصلية ومهمة؟ أن يبنوا منشآت ومرافق ومشاريع تكون جديرة بتنظيمهم مع جيرانهم البرتغاليين والإسبان لأكبر حدث رياضي في العالم، مثلما قد يرد كثيرون.
لكن هل سيمثل ذلك التاريخ منعرجا حاسما وكبيرا على مسار استكمالهم للوحدة الترابية لبلادهم؟ من المؤكد أنهم يتطلعون لأن يقطعوا وفي غضون السنوات الست المقبلة آخر الخطوات التي قد تقودهم إلى حل المشكل الصحراوي بشكل نهائي وبات، غير أن السؤال هو، هل أنهم سيتمكنون أيضا، وبالموازاة مع ذلك، ومن خلال توطيد علاقاتهم بمدريد، من إقناع الأخيرة بفتح باب التفاوض على مستقبل البلدتين المغربيتين اللتين تحتلهما منذ عدة قرون، والتي ما زالت ترفض حتى الآن، ومن حيث المبدأ أن تضع البحث في وضعهما الحالي أو مصيرهما في المستقبل على طاولة الحوار والنقاش؟
من الواضح جدا أن الطريقة التي تتعاطى بها الرباط منذ شهور مع واحد من المواضيع الدقيقة والشائكة للغاية، وهو فتح المعبرين الرابطين بين الأراضي المغربية، وسبتة ومليلية تعزز من قناعة كثيرين بأنها بدأت بالفعل في الترتيب لمرحلة أخرى، قد تقربها كثيرا من بلوغ هدف صعب المنال، ما زالت تتطلع إلى تحقيقه، رغم كل العوائق والعقبات التي تحف به، وهو استعادة كل الأراضي المغربية، التي بقيت تحت الاحتلال الإسباني.
وربما أراد وزير الخارجية المغربي منتصف الشهر الماضي أن يلطف الأجواء قليلا،، ويهدئ بعض الشيء من حدة الضغوط التي بدأت تتعرض لها حكومة رئيس الوزراء الإيبيري بيدرو سانشيز من جانب الحكومتين المحليتين في سبتة ومليلية، كذلك بعض القوى والأحزاب اليمينية جراء التأخر في إنجاز تلك العملية، حين حصر في لقائه الأخير في الرباط مع نظيره الإسباني السبب في ذلك بوجود «مشاكل تقنية» فحسب، حالت حتى الآن دون إتمام تلك الخطوة، نافيا في المقابل أن يكون مرد ذلك التعطل، هو وجود مشاكل سياسية بين الجارتين، وذاكرا في السياق نفسه أن «الفريق التقني المشترك بين البلدين يجب أن يجتمع ليقدم تصورا تقنيا يعجل بفتح المعبرين»، وبأن «جميع التزامات خريطة الطريق والإعلان المشترك الموقع في السابع من أبريل سيتم تنفيذها بشكل كامل وواضح»، قبل أن يشير بعدها إلى «أن فريق العمل المكلف بتسهيل عبور البضائع والأفراد قد اجتمع عدة مرات، وأنه تمت ثلاث تجارب لعبور الحدود، حيث تم استخلاص الدروس وتحديد المجالات التي تحتاج إلى تحسين»، ثم يشدد في الأخير على «أهمية التعاون الإيجابي والالتزام المشترك لضمان تنفيذ جميع الالتزامات المتفق عليها في إطار الاتفاقية».
غير أن أهم فقرة في حديثه حول ذلك الموضوع في المؤتمر الصحافي الذي عقده مع نظيره الإسباني في تلك المناسبة، كانت تلك التي قال فيها إن «النموذج الجديد الذي سيتم اعتماده ـ يقصد للمعبرين بين سبتة ومليلية ـ يجب أن يكون مختلفا تماما عن النموذج السابق، الذي لا يرغب الطرفان في تكراره، حيث يشجع على ظاهرة التهريب والممارسات غير المقبولة»، على حد وصفه، ما فتح الباب أمام عدة تأويلات حول طبيعة ذلك النموذج الذي يفكر فيه المغرب، ويمكن أن تقبله إسبانيا في الوقت نفسه، ولا ترى مانعا من الموافقة على تطبيقه خارج الأطر المتعارف عليها دوليا في وضعية المعابر التي تفصل بين دولتين تعترف كل واحدة منهما بحدود الأخرى.
المغاربة واثقون من أن الطرف المقابل سيضطر للتخلي عن أراضيهم المحتلة متى باتت تمثل عبئا عليه أو وجد أن هناك فرصا ومصالح أقوى وأوسع تحتم عليه القيام بذلك.
من الواضح هنا أن الرباط تبحث عن صيغة تجعل من إقدامها على مثل ذلك الإجراء يبقى خاليا من أي معنى أو طابع سياسي، ولا يفسر لاحقا على أنه قد يشكل، في حد ذاته، نوعا من الإقرار أو الاعتراف الفعلي بالسيادة الإسبانية على البلدتين المحتلتين، لكن كيف السبيل إلى الحصول على تلك المعادلة بين الوفاء بتعهد من تعهدات خريطة الطريق الإسبانية المغربية، وعدم السقوط في فخ التنازل الفعلي عن المطالبة باستعادة الأراضي المغربية المحتلة من طرف إسبانيا؟
ثم هل يمكن أن يسلم الإسبان بسهولة بما قد يعتبرونه محاولة التفافية من جانب جارتهم الجنوبية على بقاء سبتة ومليلية تحت سيطرتهم؟ لا شك في أن حكومة سانشيز تدرك جيدا، أن أي تصرف قد تقدم عليه في ذلك الاتجاه ويفتح فرضية البحث في وضع المدينتين في المستقبل تحت سيادة دولة أخرى غير إسبانيا سوف يعني أنها حفرت قبرها بيدها، في ظل وجود تعبئة قوية داخل الرأي العام الإسباني لفكرة عدم التنازل، عما يدعى ومن باب التزوير والتحريف بالأراضي الإسبانية في افريقيا.
وبالتأكيد يعلم المغاربة بدورهم أنه لا جدوى من محاولة إقناع الإسبان بأن يقدموا الآن على الأقل أي تنازل في ذلك الموضوع الذي يدركون مقدار الحساسية التي يكتسيها بالنسبة لجيرانهم.
لكن هل يعني ذلك أن عليهم إن هم أرادوا تحسين العلاقات مع مدريد، أن يصرفوا النظر عن ذلك المطلب الطبيعي والمشروع؟ قطعا لا.. غير أن أهم عنصر يعولون عليه في ما تلوح معركة تحرير صعبة وشاقة وطويلة النفس هو عامل الوقت.
فهم ليسوا في عجلة لمحو تركة ثقيلة تعود لمئات السنين في بضعة أشهر، لأنهم واثقون من أن الطرف المقابل سيضطر عاجلا أم آجلا، للتخلي عن أراضيهم المحتلة، متى باتت تمثل عبئا عليه، أو وجد أن هناك فرصا ومصالح أقوى وأوسع تحتم عليه القيام بذلك. وهذا هو ما يعمل المغرب عليه منذ سنوات ويتطلع ربما إلى قطف أولى ثماره في تلك السنة أي 2030.
فالحدث الرياضي الكبير الذي سيجمع الرباط ومدريد ولشبونة في ذلك التاريخ قد يمثل فرصة فريدة للمغاربة حتى يثبتوا للإسبان بأنه لم يعد هناك من معنى لأن يتمسكوا بأراض معزولة، أو حتى بجزر صغيرة جدا وبعض الصخور، التي تقع على البر المغربي في ظل المتغيرات التي قد يفرضها التنظيم المشترك بين البلدين لتلك التظاهرة الكروية.
والأسلوب الذي قد يلجأ اليه المغاربة في مرحلة أولى على الأقل هو اقتراح الإدارة المشتركة لبعض المناطق. وربما يكون النموذج الجديد الذي يفكرون فيه بشأن معابر سبتة ومليلية قريبا جدا من ذلك، إذ يبدو من الوارد أن يطرحوا على جيرانهم الإسبان فكرة إدارة مشتركة للمعبرين، بما قد يسمح وللمرة الأولى، منذ عدة قرون، بتحقيق وجود ولو رمزي للسلطة المغربية داخل الثغرين المحتلين.
يبقى كيف ستتطور تلك الإدارة المشتركة، وما هي الآفاق التي يمكن أن تؤدي إليها؟ إن كل شيء سيرتبط بالمكاسب التي سيحصل عليها الإسبان داخل المدينتين المحتلتين، وأيضا داخل شبه الجزيرة الإيبيرية، وهنا لن تتحرك الأساطيل المغربية على المدى القريب والمتوسط لتحرير سبتة ومليلية، ولكن رؤوس الأموال والأفكار والمشاريع هي التي ستنوب عنها في فعل ذلك. ولا شك في أن عزيمة المغاربة قادرة على أن تحول ما يبدو اليوم حلما إلى حقيقة في 2030.