الرئسيةرأي/ كرونيكشواهد على التاريخ

من أبناء المغرب من منطقة سوس…إبراهيم ياسين الإنساني

ابراهيم ياسين انه من ابناء المغرب من منطقة سوس هو أحد مؤسسي منظمة 23 مارس الماركسية اللينينية و اليسار الجديد بالمغرب، وكان القيادي البارز في الحزب الاشتراكي الموحد، وقبلها في منظمة العمل الديمقراطي الشعبي.

بقلم عبدالعالي عطيف

فقد كان الرفيق الغالي، في كل المحطات و ان اختلفنا في بعضها، نعم الرفيق المخلص ونعم الاستاذ الحكيم ونعم المناضل المبدئي ونعم الصديق الوفي ونعم اليساري الحق الذي أمن بالتغيير في كل المراحل و زرع الأمل من اجل ذلك في كل الاجيال .

ابراهيم ياسين كما عايشته كانت علاقته باسرته و عائلته بنفس السلوك والمعاملة التي يتسم بها الجدية والمسؤولية والتضحية والحكمة وكان يعمل جاهدا لتجسيد مبادئه بتنمية شخصية أطفاله ومواهبهم رغم ما تتطلبه انشغالاته العلمية و السياسية من تضحيات والتزامات.

كانت للرفيق رؤية للحياة تنتصر للقيمي في العلائق والسلوك الذي يتأسس على التواضع والوفاء ونكران الذات.
كان كذلك باب بيته مفتوحا في وجه المناضلات و المناضلين لتبادل الأفكار او من اجل جلسة رفاقية حميمية كما قال احد الرفاق بفرنسا حيث بالنظر للوضعية المعيشية المزرية لبعض الرفاق، كان الرفيق ينظم مع اهله مأدباتو التي كانت تشبه مناسبات الأعياد بالنسبة لهم.


ابراهيم ياسين المؤرخ

شكلت أطروحته الجامعية لنيل الدكتوراه بكلية الآداب بالرباط في التسعينات من القرن الماضي التي أشرف عليها الدكتور إبراهيم بوطالب، واحدة من أنضج الأطاروحات الجامعية المشتغلة على قصة وتاريخ عائلة الباشا التهامي لكلاوي المزواريين، من خلال دراسة اتحاد قبائل آيت ووازكيت(التطور السكاني في قبائل آيت و اوزكيت تحت الحماية الفرنسية 1999)
. وهو بحث صدر في كتاب قيم بعد ذلك يعتبر مرجعا أساسيا في فهم جزء من تاريخ المغرب الحديث من خلال دور منطقة وعائلة لكلاوي، استنادا على رؤية نقدية جد رصينة أكاديميا.

أدعو الحضور قراءة بعض من كتب إبراهيم ياسين .و خصوصا تلك التي تتعلق بالعلاقة المغربية الجزائرية تعرف توتر وهي كالتالي :

– “الأمير الجزائري عبد القادر والسلطان المغربي عبد الرحمان” الذي صدر عن مؤسسة أفاق سنة 2020
– جنوب اطلس مراكش تحت حكم الفرنسيين و القادة الكلاويين اثر احتلال ايت واوزكيت
– سلطة مغربية في غرب الجزائر: دراسة تاريخية: 1830 – 1832 صدر عن منشورات مطابع نت سنة 2015م
(مركب من مرجعيات ووثائق غير منشورة” في الخزانة الحسنية بالرباط، مديرية الوثائق الملكية، أرشيف المصلحة التاريخية للجيش البري الفرنسي بفانسان (Vincennes)، والأرشيف الدبلوماسي الفرنسي بنانت (Nantes) وأرشيف وزارة الخارجية بالكاي دور ساي بباريس (Quai d’Orsay)، مخطوطات مغربية، مراجع عربية وفرنسية.”)
و لايمكن الكلام عن كتابات الرفيق ابراهيم دون دكر مساهماته الفكرية بجريدة أنوال التي كان عضوا يشرف كممثلا وقيادي بمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي

القائد المستنير

كان ابراهيم ياسين نموذجاً للقائد المستنير الذي لا يكلّ من القراءة، ولهذا لم يكن يكفّ عن طرح الأسئلة والأجوبة التي تُولّد بدورها أسئلة جديدة، وكان دائماً يسعى لتأمين جواب واحد، هو أن طريق التحرير و الحرية المغلقة تارة و المتعثرة تارة اخرى بمتاريس الحاكمين، لا يمكن أن تُفتح إلّا بجيل قادر على رأب صدع تلك الفجوة التعليميةبين ابناء الشعب وبين الطبقة الحاكمة، ولهذا رأى أن الصراع على الجبهة الثقافية لا يقل أهمية عن الصراع على الجبهتين الميدانية والسياسية، بل يتقدم عليهما في مراحل الجزر / التراجع التاريخية، وعليه “لا يجوز أن نخسر الجبهة الثقافية التي تتناول حقنا في الوجود والحرية والحياة، والتي تتناول حضارتنا وتاريخنا وتراثنا ومستقبل أجيالنا.”

كان هذا السؤال محورياً، بل تأسيسياً في تفكير “الحكيم”، ووُلد نتيجة تراكم الاخفاقات و تضييع الفرص والتراجعات الميدانية والسياسية، ولذلك بادر إلى طرح هذا السؤال ذي الدلالة التاريخية المرتبطة بطبيعة المواجهة والصراع مع النظام، فمحاولة ابراهيم ياسين التأسيسية للإجابة عن ذلك من خلال فهم أعمق وأدق للنظام معتبراً أن نقطة البدء في أي استراتيجية شاملة، لمواجهة الاستبداد، تتجسد في معرفة ماهيته ، إذ يجب أن نفهمه فهماً علمياً متطوراً ومترابطاً. وأقول فهماً علمياً لأن الكثير من المفاهيم السائدة حول النظام تتسم بالغيبية والتصورات التسطيحية المسبقة، بل فهماً متطوراً لأننا أمام كيان متغير ومتحول. لذا لا يجوز أن نكتفي بالمواقف المسبقة، ولا يجوز لمعارفنا أن تتوقف عنده.


ابراهيم ياسين وسلاح النقد

ممارسة مبدا النقد و النقد الذاتي تتجسد في كل محطة نضالية و اخر محطة نقده الذاتي لتجربة تفعيل الوحدة الاندماجية للمكونات اليسارية الأربع وبعدها عملية الاندماج مع مجموعة الوفاء .

ولايفتنا نقده الرفاقي الرفاق في حزب النهج الديمقراطي.

كان الحس النقدي حاضراً بقوة في تجربة الحكيم ومسيرته النضالية ، وقد تجلّى ذلك في ممارسة النقد والنقد الذاتي، ليس كمبدأ يتغنى به، أسوة بكثير من القيادات السياسية، بل كمبدأ يترجم واقعاً، داخل الهيئات القيادية أولاً، مروراً بجميع هيئات ومراتب الحزب الوسيطة والقاعدية. ولم يقف الأمر عند النقد الداخلي فقط، بل كان يمتد من الداخل إلى الخارج أيضاً، انطلاقاً من أن مسألة النقد ضرورة حيوية، كونها جزءاً لا يتجزأ من قاعدة أشمل، هي المراجعة العلمية والدورية. وبناء عليه، يجب أن تكون هذه العملية جزءاً من نظام الحياة نفسه، بما لا يُخضعه للتسطيح والشخصنة، وبما يقوّم الـمسيرة النضالية. ومن هذا المنطلق، دعا ابراهيم ياسين إلى مراجعة مختلف محطات التجربة اليسارية، من خلال الأسئلة والمفاهيم التالية: كيفية تعاملنا مع الساحة محليا و مغاربيا ، فهمنا للعمل الوطني والاقليمي و العالمي، للعمل السياسي والدبلوماسي من جهة، والعمل الكفاحي من جهة أُخرى [….] مشكلاتنا التنظيمية، الصراع الفئوي، التمثيل النسبي، الهيمنة والتفرد، القيادة الجماعية الغائبة، الـحركات الاجتماعية الشعبية ، الجوانب الـمسلكية والأمراض الـمستعصية التي علقت بجسم التنظيم، كل هذا فضلاً عن النهج السياسي أولاً، كل هذا بحاجة إلى مراجعة وتفحيص وتقييم.


القيادة والتجديد وتفعيل الطاقة الخلاقة

كان لدى ابراهيم ياسين دائماً دوره وموقعه كقائد امامي في التنظيم ، وبالتالي فإن موقعه يحمّله مسؤولية أن يكون القدوة والمثل والنموذج في تحويل الأقوال إلى أفعال أو ممارسة منسجمة ومتناغمة معها. بناء على ذلك أدرك أولاً محورية ومركزية الدور القيادي في الحزب، ووعى المسؤولية الكبيرة التي تقع على عاتق الرأس القيادي / الهيئات القيادية / العقل المفكر في الحزب، وعليه لم ينفك عن التأكيد أن: “القيادة أولاً”، ولذا حذّر من أن يلحق بالحزب، وخصوصاً قيادته، الأمراض التي لحقت بجسم التنظيم قاعديا، والتأثر بالقيادة البيروقراطية وتبوّؤ المراتب والخمول، والابتعاد عن الجماهير وشعور القواعد بصورة عامة بأن الأوضاع القيادية لا تمثل المحفز، وكذلك الإحساس بالفارق الكبير بين الشعارات المعلنة والبرامج والخطط والقدرة على التنفيذ.

ليس أوضح ممّا سبق، ومن الحديث عن الأمراض التي تتعرض لها الهيئات القيادية، وما يترتب على ذلك من ضرورة أن يكون التجديد في الكوادر الشابة والواعدة التي تتمتع بدرجة عالية من الوعي والكفاءةفي التكوين السياسي و التنظيمي والكفاحية والأداء العالي والفاعلية القصوى والالتصاق بالحزب ودوره الوطني والاجتماعي، إلّا قول “الحكيم”: “إن فهمي للتجديد لا يقوم على أساس أنه موضة لا بد أن نمارسها، ولا يقوم على أساس شكلي أو ردة فعل على أحداث جرت في هذا العالم.. إن التجديد ضرورة موضوعية وعملية دائمة ومتواصلة يفرضها منطق الحياة والتطوروالابداع، وصيرورة تشمل كافة جوانب عملنا و المبادرة. والتجديد ليس كلمة نرفعها كشعار، بل هي مضامين وتغيير جذري لأسلوب وطرائق عمل أصبحت بالية. والتجديد في جوانب العمل يشترط بالضرورة التجديد في الهيئات القيادية التي يجب أن يتم ضخها باستمرار بالدماء والأفكار و الطاقات الجديدة.


درسٌ في الديمقراطية

آمن “الحكيم” بالديمقراطية وآلياتها في الحياة الحزبية الداخلية، أو على صعيد الممارسة المجتمعية الأشمل والأوسع، وبما يؤمّن البيئة والحاضنة التي تتحول من خلالها الديمقراطية إلى ثقافة متمثلة في الوعي والممارسةالفعلية، ويفتح باستمرار الآفاق والاجواء الملائمة لإطلاق أوسع فاعلية فكرية تحرر العقل الفردي والجمعي من قيود الركود والشلل، كشرط أساسي للنهوض وجذب الكفاءات الاجتماعية، الأمر الذي يؤسس لديناميات التطور والتقدم والتصدي للمهمات الوطنية الكبرى، ويؤمّن أيضاً إدارة صحيحة للتناقضات الداخلية. ولعل في ممارسة الحكيم، ما يدل على وعيه بخطورة توظيف القوة المادية أو المعنوية، في مواجهة المختلفين، داخل الحزب وخارجه، بمَن في ذلك أولئك الذين شكلوا ظواهر انقسامية أو انشقاقية، ومنهم مَن انشق فعلاً.

ابراهم الفاعل الميداني

شارك الراحل إبراهيم ياسين في الدفاع والانخراط في حركة 20 فبراير، ودافع بشراسة عن استقلاليتها في محاولات الاحتواء التي برزت حتى داخل حزبه، وكان من من بلوروا مختلف البيانات إبانها التي دافعت عن استقلاليتها، كما كان له دورا بارزا في الدفاع عن حراك الريف وجلب الدعم له.

ابراهيم ياسين في إحدى كتاباته، دروس النضال لخص الكفاح الشعبي في ثلاث مراحل نوعية كبرى أساسية في مسيرته لمحاربة الفسادوالاستبداد ومن أجل انتزاع حقه في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية:

1ـ انتفاضة 23 مارس 1965 التي دشنت استئناف عودة الجماهير للشارع ـبعد نهاية الحماية -كساحة للنضال من أجل مستقبل أفضل لشباب المغرب.

2ـ محطة 20 فبراير 2011 التي طورت أساليب التظاهر السلمي وعممته إلى جميع مدن المغرب، مستفيدة من وسائل التواصل الحديثة ،وارتقت بالشعارات إلى مستوى برنامج شامل للإصلاح الجذري والسلمي صار برنامجا لكل حِراك اجتماعي منذ ذلك الوقت.

3ـ محطة 28 أكتوبر 2016 التي شهدت انطلاق حِراك الريف الذي أبدع أشكالا جديدة من النضال السلمي وأبدع برنامجا حقوقيا اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ملموسا و واضحاا عتنقته جماهير الريف ،ثم صار نبراسا لكل ديناميات الحِراك الشعبي في مختلف الأنحاء المهمشة والمظلومة من المغرب.

وهكذا نهض الريف وحِراكه الشعبي ـفي فترة ظهرت كأنها فترة فراغ وتراجع للاستعداد النضالي لدى الشعب ليرسم طريقا جديدة لنضالات المغاربة من أجل التغيير الاقتصادي والاجتماعي والتخلص من الفساد والاستبداد.

وللاشارة اريد ان اخبركم الان و هو قد غادرنا بان الرفيق الحكيم في اجتماع ببيتي هو من صاحب فكرة تنظيم القافلة الوطنية للتضامن مع حراك الريف و التي اعلنت عليها بمهرجان نظمه المكتب الجهوي مراكش اسفي انذاك بمعية الرفيقة نبيلة منيب و تكلفنا بانجازها رفقة الرفيق لحروني العلمي.

كذلك لابد بالتذكير انه كان سندي بمراكش ، عندما كنت مكلفا بمهمة كاتب جهوي لجهة مراكش اسفي، بنصائحه ودعمه المادي و المعنوي و الفكري لانجاح محطات نضالية عدة جهويا ووطنيا و هنا ترجع بي الذكريات إلى القرار الذي تم اتخاذه لتاسيس تيار اليسار المواطن ببيتي باوريكا حيث دعوته كملاحظ في الجمع العام التاسيسي للنصح و الاستشارة و سنده لي لم يتوقف فقط على الجانب الحزبي السياسي بل كذلك زيارته للجمعية التي كنت اتراسها باوريكا.

ابراهيم ياسين رجل جسد قيم التضامن

اثناء حملة الاعتقالات التي عرفتها سنوات الظلم والقمع والتنكيل التي عرفها المغرب خلال سبعينلت القرن الماضي و التي تم في إطارها اعتقال عدة مناضلات و مناضلين و رميهم في غياهب المعتقل السري الرهيب درب مولاي شريف، وماعانت الاسربسبب ذلك من “حصار” شامل من طرف الجميع بسبب الخوف والترهيب.وفي هذا الصدد يحكي احد ابناء أحد المعنقلين أن الحكيم كان يقطع المسافة ما بين درب لحجر وشارع الشجر في حي سباتة بالبيضاء ذهابا وايابا من المدرسة الابتدائية ابن العميد الي البيت… وكان يلمح اثناء عودته سيارة حمراء اللون تقف جانب البيت نهاية كل شهر ويفرغ صاحبها مواد غذائية ويغادر مسرعا دون كلام…تلك السيارة وصاحبها كانا الأمل٫٫ وكوة الضوء الوحيدة التي تطل منها الأسرة المعزولة…على الحياة و مرت الايام والسنوات وتعرف علي الرجل عن قرب كقيادي ورفيق ومؤطر بمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي وكمسؤول عن جريدة أنوال في احدى الفترات والتي يتاسف فيها عن كونه لم “تتاح” له الفرسة طيلة كل تلك السنوات لتقديم شكر العائلة واعترافها بجميل قدم لها، من رجل مناضل يساري أصيل…انه الرفيق ابراهيم ياسين.

كما لايفوتني كمثال حي من ضمن امثلة عدة عن خصال الرفيق ان احكي لكم عن قصة حدثت لي معه بحيث الح علي ان اتكلف بمهمة جد حساسة و شرف الثقة بيننا و هي كالتالي ، كان احد الرفاق بورزازات تم طرده عن العمل بسبب نشاطه و سط العمال بالمناجم و عمال الفنادق …بمنطقة وارزازات و كان لهاد الرفيق حجز على شقته و بما انه تم طرده لم يكن باستطاعته تسديد الدين المتبقى من القرض البنكي و بالتالي تشريد عائلته و افراغهم ، فبادر الرفيق من اجل جمع قيمة الدين والذي كان لي الحظ لأكون بجانبه من أجل ذلم كان فتم جمع المبلغ وسلمتها للرفيق المعني بحضوره مع رفاق اخرين من المنطقة و انجزت محضرا الذي بموجبه تم الامضاء عليو هكذا تم انقاذ الرفيق من الهلاك.

واختم القول انه لايمكن سرد في هده الكلمة المقتضبة الا جزء من حياة هذا الرجل العظيم و المعروف عن الراحل إبراهيم ياسين الحكيمأيضا تواضعه الكبير، وابتعاده عن الأضواء، رغم تاريخه الحافل بالعطاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى