توجد فعليا محاولة لتصفية القضية..خبير فلسطيني: إنهاء الانقسام الفصائلي الفلسطيني مرهون بنتائج الحرب على غزة
رجح مدير المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية (مسارات) هاني المصري استمرار الانقسام الفلسطيني، معتبرا أن إنهاء هذا الوضع مرهون بنتائج الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر الماضي.
ترجيح المصري تضمنته مقابلة مع الأناضول، تطرقت من بين محاورها إلى اجتماعات الفصائل الفلسطينية التي استمرت يومين في موسكو، واختتمت أعمالها بإصدار بيان في 1 مارس الجاري، وحضر جلستها الأولى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في محاولة جديدة لتحقيق مصالحة فلسطينية.
واتفقت الفصائل على “استمرار جولات حوارية قادمة للوصول إلى وحدة وطنية شاملة تضم القوى والفصائل الفلسطينية كافة في إطار منظمة التحرير، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني”، وفقا للبيان.
كما توافقت على “التصدي للعدوان الإسرائيلي الإجرامي وحرب الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ومقاومة ووقف وإفشال محاولات تهجير الشعب الفلسطيني من أرض وطنه فلسطين، خصوصا في قطاع غزة أو في الضفة الغربية والقدس”.
وتعاني الساحة الفلسطينية انقساما سياسيا وجغرافيا منذ عام 2007، حيث تسيطر حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وحكومة شكلتها على غزة، في حين تدير حكومة شكلتها حركة “فتح”، بزعامة الرئيس محمود عباس، الضفة الغربية المحتلة.
وعلى مدى سنوات طويلة عُقدت لقاءات عدة بين الفصائل على أمل إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، كان آخرها بمصر في يونيو الماضي، وبالجزائر في أكتوبر 2022، لكن لم تُسفر عن خطوات جادّة لتحقق هدفها.
وجاءت محادثات موسكو على وقع حرب مدمرة على غزة، خلَّفت عشرات آلاف الضحايا المدنيين، معظمهم أطفال ونساء، وكارثة إنسانية غير مسبوقة ودمارا هائلا في البنى التحتية والممتلكات، بحسب بيانات فلسطينية وأممية؛ مما استدعى مثول إسرائيل، للمرة الأولى منذ قيامها في 1948، أمام محكمة العدل الدولية؛ بتهمة ارتكاب جرائم “إبادة جماعية”.
مخرجات متوقعة
المصري اعتبر أن لقاء الفصائل الفلسطينية في موسكو، لأول مرة منذ 7 أكتوبر الماضي، “بحد ذاته أمر جيد وأفضل من لا شيء”.
غير أنه استدرك: “أما بشأن البيان الختامي، فكان متوقعا، فهو عام حدد بعض الأشياء المشتركة، ولا ينطوي على أي خطوات عملية، وتجاهل موضوع تشكيل الحكومة ومنظمة التحرير وهما الأساسيان”.
واعتبر أن “اللقاء يعطي للقيادة الروسية صورة أنها تستطيع أن تجمع الفلسطينيين لاحقا بدون أن تنفجر الخلافات بينهم”.
وبخصوص توقعاته لما بعد لقاء موسكو، قال إن “كل الاحتمالات واردة، ولكن الأرجح هو استمرار الانقسام الفلسطيني”، مضيفا أن “كل الأطراف تنتظر أن تنتهي الحرب وعلى ضوء نتائجها ستقرر”.
ورأى أن “القيادة الفلسطينية الرسمية لا تريد أن تدفع ثمن ما تعتبر أن حماس أقدمت عليه (معركة طوفان الأقصى)، وتفضل البقاء في الحكم بوضعها الحالي على أن تدخل في مواجهة مع إسرائيل لا تريدها وليست مستعدة لها ولا تراهن عليها”.
وداعما ترجيحه، زاد بأن “الرئيس عباس لم يتصل أو يأخذ صورة مع رئيس المكتب السياسي لحماس (إسماعيل هنية) ولو صورة رمزية كشكل من أشكال الوحدة”.
“حتى الآن لا يوجد تقدم، وإذا تغيرت العوامل في المنطقة أو الوضع والخارطة الفلسطينية، بمعنى أن يتحرك الشعب للضغط لفرض إرادته ومصالحه على الفرقاء، سيكون (هناك) ما يشجع (على انهاء الانقسام)”، بحسب المصري.
الحكومة الفلسطينية
وبشأن تقديم حكومة محمد اشتية استقالتها قبل أيام، اعتبر المصري أنها “جاءت استجابة لضغوط خارجية، خاصة أن الموضوع لم يتم الاتفاق عليه في موسكو”.
وتابع أن “الرئيس يتعامل على أن الحكومة من اختصاصه وفق القانون. هذا صحيح لو لم يكن هناك انقسام واحتلال وحرب، وهذه العوامل الثلاثة تقتضي وجود تعامل جماعي وطني ينتج عنه حكومة توافق تكنوقراط أو أي اسم”.
وتساءل: “هل الحكومة قادرة على مواجهة التحديات والمخاطر الجسيمة والخطيرة التي تهدد القضية والأرض وقادرة على توظيف الفرصة المتاحة؟.. هذا الدم الذي سُفك وفر فرصة اليوم، ولكن بحاجة إلى أداة أولا فلسطينية وعربية ودولية لاستثمارها”.
واستطرد: “متى يمكن أن تتشكل الحكومة؟ وفق القانون على الرئيس أن يكلف حكومة جديدة خلال أسبوعين من قبول استقالة الحكومة. ولكن في الوضع الراهن قد تستمر حكومة تسيير الأعمال طويلا”.
وأضاف: “وإذا انتهت الحرب واستطاعت الإدارة الأمريكية أن تفرض على إسرائيل عودة السلطة لغزة، ستتشكل حكومة تكنوقراط، وهذه قد تكون أحد نتائج الحرب”.
محاولة لتصفية القضية
المصري وصف ما تفعله إسرائيل بأنه “بحرب إبادة تستهدف جعل غزة منطقة غير صالحة للسكن لا الآن (ولا في) المستقبل القريب”.
وشدد على أن “ما يحدث من جرائم وحرب وعدم تدفق المساعدات الإنسانية يدل على أن هناك محاولة لتصفية القضية الفلسطينية”.
وأردف أن “إسرائيل استغلت ما حدث في 7 أكتوبر، والذي هزها وزلزالها، لتحقيق أهداف كانت موضوعة بالأساس لتصفية القضية، ولا يعني (هذا) أن إسرائيل وحلفاءها سينجحون، بل يعني أن كارثة كبيرة حدثت ومترابطة مع صمود، ولا يجب أن نرى الكارثة لوحدها ولا الصمود لوحده”.
وفي ذلك اليوم، شنت “حماس” هجمات على قواعد عسكرية ومستوطنات إسرائيلية بمحاذاة غزة؛ ردا على “اعتداءات الاحتلال اليومية بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته، ولا سيما المسجد الأقصى”، وفقا للحركة.
وحذر المصري من أن “استمرار الحرب دون حدوث تطورات عربية أو دولية وإسلامية تغير المعادلة (سيعني) مزيد من الكارثة والتدمير والقتل يقابله مزيد من البطولة”.
اليوم التالي للحرب
وبالنسبة للمشهد المتوقع في اليوم التالي لانتهاء الحرب، قال المصري إنه “يتوقف على نتيجة الحرب.. رغم مرور 5 أشهر عليها، نتيجتها لم تتضح بعد، وعلى ضوء النتائج ستكون خريطة اليوم التالي”.
وأضاف أنه “إذا نجحت إسرائيل في حربها وحققت النصر الحاسم، تكون النتيجة فرض السيطرة على غزة على غرار الضفة الغربية، بحيث يتم ترتيب سلطات محلية تابعة مباشرة أو غير مباشرة لإسرائيل”.
وتابع أن “إسرائيل لا تريد أن يكون هناك سلطة فلسطينية موحدة في الضفة وغزة؛ فذلك يبقى أفق لقيام دولة فلسطينية. هم يريدون مزيد من التجزئة والتقسيم للقضاء على القضية الفلسطينية”.
أما “السيناريو الثاني، فيتمثل في هزيمة إسرائيل؛ مما يجعل هناك أفقا مفتوحا لقيام دولة فلسطينية مستقلة”، بحسب المصري.
وأشار إلى أن “الدماء التي سُفكت أشعلت الغضب وجلبت تأييدا واسعا لفلسطين وقضيتها في العالم الغربي المسؤول عن الجريمة كما إسرائيل من خلال الدعم السياسي والعسكري والمالي والتغطية على الجرائم”.
المصري اعتبر أن “السيناريو الأكثر ترجيحا وإمكانية للحدوث هو أنه لا يوجد منتصر حاسم ولا مهزوم قاطع، وأن يكون هناك نقاط لصالح الطرفين، وعندها تكون الأمور متوقفة على تفاعلات المعادلات الإقليمية والدولية والمحلية”.
وأردف: في هذا السيناريو “تنتهي الحرب بأقل الأضرار وادعاء كل طرف أنه منتصر، ونرى نوع من السلطة الفلسطينية المتجددة كما تريدها الإدارة الأمريكية أو الجديدة يريدها الشعب الفلسطيني”.
وأضاف: “نحن بحاجة لتغيير السلطة التي قامت على التزامات اتفاقية أوسلو (مع إسرائيل في 1993)، فلم تعد هناك أوسلو وبقيت التزاماتها الفلسطينية فقط، وعلى الفلسطينيين أن يغيروا السلطة بحيث تكون لديها التزامات فلسطينية أولا وأساسا”.
الضفة بعد الحرب
أما بخصوص مستقبل الضفة الغربية المحتلة، فقال المصري إن “الأوضاع في الضفة الغربية لن تتغير كثيرا، فهي تعيش وتعاني من حرب إسرائيلية منذ ما قبل 7 أكتوبر”.
وتابع: “مشهد القتل والاعتقال لم يتوقف في الضفة، اعتداءات المستوطنين وتقطيع أوصال الضفة مستمرة. هذا يعطيك فرصة لما يمكن أن يحدث بعد الحرب”.
ومنذ 7 أكتوبر الماضي، قتل الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية 423 فلسطينيا وأصاب نحو 4 آلاف و650 واعتقل حوالي 7422، وهي أرقام قياسية خلال 5 أشهر مقارنة بالأعوام السابقة.
وأضاف المصري أن “الضفة هي الهدف لإسرائيل وتعد قلبها لإقامة دولتها الكبرى، لكن الأمر لن يكون سهلا عليها أو سريع كما يتوقع البعض”.
وأرجع ذلك إلى أن “ما خلَّفته الحرب الإسرائيلية في غزة من جراح ومجازر ترك آثار كبيرة بالعالم، الأمر الذي لن يعطي إسرائيل الضوء لتكرار الجرائم في الضفة”.