الرئسيةرأي/ كرونيكمغاربية

هل ستؤدي لتطبيع العلاقات المقطوعة مع الجارة المغرب؟..صحافي تونسي يكتب: لماذا يحضر هاجس الجار في انتخابات الجزائر؟

نزار بولحية كاتب وصحافي تونسي
بقلم نزار بولحية كاتب وصحافي من تونس

كيف ستكون الجزائر بعد الانتخابات المقبلة؟ وهل سيحدث فيها تحول في المواقف التقليدية من بعض القضايا يفضي إلى «تصفير المشاكل» وتطبيع للعلاقات المقطوعة مع الجارة المغرب؟ ليس الجزائريون وحدهم المعنيون بذلك، فجيرانهم ينظرون بدورهم وباهتمام لما يمكن أن يسفر عنه ذلك الموعد من نتائج، لكن حتى إن بدا الأمر بالنسبة إلى كثيرين محسوما ومفروغا منه، إلا أن ساكن قصر المرادية لا يبدو في عجلة من أمره للكشف عن كل الأوراق، لقد تعمد الحفاظ على نوع من الغموض حول ما يعتزم القيام به. وحين طالبه بعض النواب في ديسمبر الماضي وعلى الملأ بأن يترشح لفترة رئاسية جديدة، كان رد عبد المجيد تبون هو الاكتفاء بدعوة الله لان يمنحه «الصحة الكافية» تاركا بذلك الباب مفتوحا أمام شتى الفرضيات والتكهنات.

كثيرون يرجحون أن يكون الغرض من تقديم الانتخابات هو توجيه رسالة لباريس بأنها ليس وصية على الجزائر وأن الرئيس الجزائري لا يحتاج مباركتها ودعمها للوصول إلى منصبه.

لكن ما بات ثابتا اليوم وخلافا للشائعات التي راجعت في الأسابيع الأخيرة حول تأجيل محتمل لها، هو أن الانتخابات الرئاسية الجزائرية لن تتأخر عن الوقت الذي كان محددا لها في الأصل غير أن ما صار في حكم المؤكد أيضا هو أنها لن تجري في «موعدها المنصوص عليه في الدستور احتراما للدستور وللشعب الجزائري الوحيد صاحب السيادة»، مثلما أكدت ذلك وكالة الأنباء الرسمية الجزائرية قبل أكثر من شهر بعد أن تقرر تقديمها إلى سبتمبر المقبل.

وربما يقول البعض هنا، وما المشكل في ذلك؟ أليس من حق الجزائريين أن يحددوا التواريخ والمواعيد التي يرونها مناسبة لهم للذهاب إلى صناديق الاقتراع؟ ألا يجيز لهم دستورهم ذلك، ويعطي واحد من قوانينهم، وبمقتضى بند من بنود ذلك الدستور، كل الصلاحيات لرئيسهم حتى يدعو ومن دون الحاجة إلى أي شروط، أو مبررات محددة إلى تنظيم انتخابات رئاسية مسبقة؟

مبدئيا لا خلاف في وجاهة وصحة ذلك، فذلك الاستحقاق الانتخابي يبقى في الأخير وبدرجة أولى، شأنا داخليا يخصهم وحدهم، ولا يعني أحدا غيرهم، لكن هل يعيش الجزائريون بمفردهم في جزيرة نائية ومعزولة؟

ألا تحمل العملية حتما وجهين مزدوجين؟ لقد تعمد البيان الذي أصدرته الرئاسة الجزائرية الخميس الماضي، في أعقاب اجتماع ترأسه الرئيس عبد المجيد تبون، وحضره رئيسا غرفتي البرلمان ورئيس أركان الجيش وشخصيات أخرى، عند الاعلان عن إجراء انتخابات رئاسية مسبقة يوم السابع من سبتمبر المقبل، أي قبل نحو ثلاثة شهور من انتهاء العهدة الرئاسية الحالية للرئيس تبون، أن يغفل الإشارة إلى دوافع ذلك القرار المفاجئ.

ولم يكن من باب الصدفة أبدا أن تتدارك وكالة الأنباء الرسمية الأمر، بعد يوم واحد من صدروه، وتبادر إلى تقديم شرح مفصل للأسباب التي كانت وراءه.

وكان لافتا أنها حين قامت بذلك الأمر، ربطت وبشكل تلقائي ووثيق بين مسألتين هما، الحاجة إلى تكريس الاستقرار الداخلي من جانب، والتعامل مع ما وصفته بالتهديدات الخارجية بشكل أفضل من الآخر.

لقد اعتبرت أن إعلان الرئيس تبون عن انتخابات رئاسية سابقة لأوانها «هو الإشارة الرسمية للخروج من أزمة» مؤكدة أن «الدولة الجزائرية ليست في أزمة، أو في حالة طوارئ» أي أن جبهتها الداخلية متماسكة، ولا تعيش على وقع اضطرابات اجتماعية أو سياسية أو أمنية، معتبرة أن ما أملى ذلك القرار هو أولا، «الحرص على اعادة بسط هذا الاستقرار في صرح الدولة، ولو تطلب ذلك تقليص فترة العهدة الرئاسية».

ثم ثانيا « العودة الدائمة إلى الشعب صاحب القرار الوحيد والمحاسب الوحيد لرئيس الجمهورية»، وأخيرا ما وصفته بالـ»حسابات الجيوسياسية» مشيرة في ذلك الصدد إلى أن قمة الغاز وتسيير النزاعات والتحولات الجيوستراتيجية والأمنية في المنطقة، قد أنضجت بالفعل تلك الفكرة، على حد وصفها قبل أن تستطرد وتضيف بأنه «انطلاقا من هذا الإعلان – أي الإعلان عن تنظيم انتخابات رئاسية سابقة لأوانها- تلعب الجزائر دورا ليس بالهين، سيمكنها من رسم معالمها المستقبلية في مواجهة كل أشكال الكولونيالية الجديدة»، واصفة التهديدات الخارجية التي تتعرض لها بأنها «حقيقية وملموسة بما يجعل من تقليص العهدة الأولى ضرورة تكتيكية»، على حد تعبيرها، «حيث أنه استباق لاضطرابات مبرمجة.

فالرهان الدولي يسبق الرهان الوطني، كما قالت مستخلصة من كل ذلك أنه «يتعين على الجزائر أن تعزز وحدتها وانسجامها الداخليين برئيس وجيش ومؤسسات بجاهزية، لمواجهة الأزمات الخارجية التي هي بالفعل على أبوابنا مستهدفة سيادتنا وأمننا» مثلما جاء في النص الذي نشرته الوكالة.

ولقائل أن يقول وكيف تكون الجزائر قادرة على مواجهة كل أشكال «الكولونيالية الجديدة» والأزمات الخارجية التي تستهدف سيادتها بمجرد أن تجري انتخاباتها الرئاسية قبل ثلاثة شهور من تاريخها الأصلي؟ وهل هناك خطر ما أو تهديد يستشعر الجزائريون وجوده في الخريف المقبل، أي في الفترة الفاصلة بين سبتمبر وديسمبر، ويريدون من خلال الحسم في مسألة الانتخابات «استباق اضطرابات مبرمجة»، على حد تعبير وكالة أنبائهم وذلك بتثبيت مؤسساتهم؟ من المفترض أن يقوم الرئيس الجزائري في تلك الفترة بالذات بزيارة دولة إلى فرنسا، بعد أن تأجلت لأكثر من مرة.

وقد تم الاعلان عن ذلك في الحادي عشر من الشهر الجاري من خلال بيان أصدره الإليزيه، وأشار فيه إلى أن الرئيسين الفرنسي والجزائري اتفقا، إثر مشاورات هاتفية بينهما، على أن يجري الرئيس تبون زيارة دولة لفرنسا «بين نهاية سبتمبر وبداية أكتوبر».

ما جعل كثيرين يرجحون أن يكون الغرض من تقديم انتخابات الرئاسة الجزائرية هو توجيه رسالة إلى باريس بأنها ليس وصية على الجزائر وأن الرئيس الجزائري لا يحتاج إلى مباركتها ودعمها في سبيل الوصول إلى منصبه، لكن لماذا يتحدث الجزائريون الآن عن كولونيالية جديدة، في وقت بدأت فيه علاقتهم بفرنسا تعرف بعض التحسن؟

من الواضح أنهم ينظرون بقلق إلى التقارب الآخر الذي حدث بشكل مواز بين باريس والرباط، رغم أن الرئيس الفرنسي كان قد أشار إلى أن «تنشيط العلاقات مع الرباط لا يعني تباعدا مع الجزائر».

يبقى ما مصدر التهديد الخارجي الأول في نظرهم؟ إنه الجار المغربي بالتأكيد، الذي يظل حاضرا باستمرار أحيانا بشكل موارب وفي أخرى بشكل مباشر وتقريبا في كل الأحداث والمناسبات المهمة في الجزائر.

والمؤسف حقا انه بات مثل البعبع الذي لا غنى عنه، يخرجه البعض لتغذية هواجس ومخاوف الجزائريين، من أي تقارب أو تطبيع محتمل بين البلدين.

والمفارقة هنا هي أنه وفي الوقت الذي ترتفع فيه أصوات كثيرة منادية برفض القطيعة بين الشعبين والبلدين، يصادر فيه جزء من الطبقة السياسية الجزائرية التحدث باسم الإرادة الشعبية ليبرر كل الإجراءات والخطوات التي تعمق الجفوة وتزيد من الفرقة بين الجانبين، تحت مبررات الحفاظ على الأمن القومي وصيانة الاستقرار.

وهذا ما يضع شعار «العودة الدائمة إلى الشعب» من خلال الانتخابات الرئاسية المبكرة، الذي أشارت إليه وكالة الأنباء الجزائرية مجددا أمام اختبار حاسم في سبتمبر المقبل.
المصدر: القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى