الرئسيةرأي/ كرونيك

يتباهى بعضهم بفضلها ونعمتها عليه..المنوزي يتساءل: لماذا يتستر التحالف المصالحي وراء سراب جدوى الدولة العميقة؟

بقلم مصطفى المنوزي

كثر الحديث، في شكل تصريحات وتقييمات وتسريبات، عن ” الدولة العميقة ” وعن أدوارها “” الإيجابية في ضمان الإستمرار والأمن والإستقرار، وذلك عبر حوارات مع شخصيات توفرت لها الفرصة للتواصل أو التعامل مع بعض مكونات هذه “الدولة العميقة”، والتي يتباهى بعضهم بفضلها ونعمتها عليه، ليطرح السؤال النقدي عن تضخم عدد هذه الخرجات المتوالية، هنا وهناك؛ وكأن في الأمر خيط ناظم، فهل في الأمر وله ارتباط بما يتم التحضير له بالنسبة للعهد المقبل، ومن أجل ضمان إنتقال سياسي سلس؛ الدولة العميقة يتم بشكل منهجي العمل على تبرير شرعية وجودها وضرورة إستمرارها ؟ أم أن بعض العقل الأمني عاد ليكرس تمثلات تبييض الماضي الأسود؟.

قبل محاولة ملامسة المعنى المتوافق عليه، من خلال واقع الممارسة اليومية ومن خلال التعريف الجيوسياسي المتعارف عليه كونيا؛ لا مناص من التأكيد بأن هذه التصريحات / التسريبات تعد جزءً من تجليات ومقتضيات ” الدولة العميقة “؛ يلعب فيها الإعلام الرسمي وغيره من المنابر التابعة تعاقديا للأجهزة الأمنية الخاصة والإيديولوجية المختصة بالدعاية والتعبئة والإشهار والتشهير ، أدوارا طلائعية!

وكذلك لابد من الإقرار منذ البداية بأن جيلنا من المناضلين الأوفياء الفكر التقدمي؛ رغم خلافات أسلافنا من القياديين التناحرية مع النظام، كنا ولا زلنا نعتبر ونقدر أهمية وجدوى وجود الدولة قوية وآمنة، مناهضين جميعا لمنطق الفوضى واللادولة أو ما بعد الدولة؛ في أفق بناء دولة المجتمع، بديلا لما تحاول تمثلات ” الدولة العميقة ” تكريسه كأمر واقع مؤطر بمجتمع الدولة وترسيخ نظام السخرة والتعليمات وفي إطار الدولة الأمنية / المخيفة؛ وعلى اعتبار أن الدولة ليست فقط جهازا، بل طبقة أو تحالف طبقي وفق المنظور الماركسي المتطور، وكذلك وفق التعريف الهيجلي الذي يعتبر أنه: “” في التاريخ، الدولة هي العقل الأكبر الذي يستوعب أعتى التحولات.

من هنا وجب التمييز بين محتوى الدولة العميقة كمؤسسات تعمل في الظل والسرية، وبين مقتضى الدولة كمؤسسات دستورية تشتغل في العلن وتخضع للمراقبة المرافقة والمحاسبة القانونية والمؤسستية.

فحسب شركة مريام وبستر ( Merriam-Webster)‏ وهي شركة أمريكية تهتم بنشر الكُتب المرجعية، وهي معروفة بسبب قواميسها بشكلٍ خاص.

تم تعريف الدولة العميقة بأنها “” عبارة تنظيم يتكون من مجموعة من الأشخاص غير المنتخبين الذين ينتمون إلى تنظيم غير رسمي له مصالحه الواسعة وامتداداته في الداخل والخارج، وفيما يتعلق بنقطة القوة في هذا التنظيم فهي أنّ عناصره لها وجود في مختلف مؤسسات الدولة المدنية، والعسكرية، والسياسية، والأمنية والإعلامية، وغيرها “”.

يبدو أن هذا التعريف قد يخلق نوعا من التماهى بين الدولة والمؤسسة الملكية، وفيما بين الملكية والمخزن، وهو إلتباس مفترض بحكم أن الملك يعد الفاعل الأساسي والرئيس الأول؛ لكن وكما يقول الباحث أمكار عصام “لا يمكن القول بأن الدولة العميقة هي الملكية بشكل مطلق، ففي المغرب، هناك العديد من القوى والمصالح الأخرى التي تشارك في تشكيل الدولة العميقة .”

ومن هنا لا أتفق مع من يخرج الأجهزة العسكرية والأمنية من مربع الدولة العميقة، فرغم أن الملك هو رئيس جميع المؤسسات الإستراتيجية؛ فإن الدولة العميقة تتجسد في القرارات السياسية والمالية والأمنية التي تصدر (في آخر المطاف ) عن خلية التحليل المركزية التي تشتغل بالموازاة وخارج المنظومة المؤسستية العمومية والدستورية المعلنة، وبالتالي فكل ما يصدر عنها يصنف ضمن ما يعرف بالقرار السيادي المؤسس على المعطى الأمني المخابراتي، لذلك لا يمكن إختزال الدولة العميقة في دائرة المستشارين الملكيين.

وفيما يخص التماهي المزعوم بين الملكية والمخزن فإن نفس الباحث يؤكد على أن مفهوم المخزن يشير إلى مجموعة من المؤسسات والهياكل الإدارية والمالية التي تسيطر عليها الدولة.

الباحث عصام أمكار

وتشمل هذه المؤسسات وزارة الداخلية والديوان الملكي والمصالح الأمنية المتنوعة.

من هنا يختلف المخزن عن الملكية في أنه مؤسسة إدارية ومالية، بينما الملكية مؤسسة سياسية “”.

كما أن التماهي قد يطول أيضا العلاقة الملتبسة بين صلاحيات الملك كرئيس للدولة وبين صلاحياته كأمير للمؤمنين، ولو أن دستور 2011 فصل بينهما ” تشريعيا “؛ لأن التداخل، عمليا، يحصل من خلال تشابك علاقة الملك ببنية المخزن، على إعتبار أن الملك يسكنه سلطان عميق يمثل القطب العميق والجاذب لكل مقتضيات النظام السياسي، والذي من خلاله تستمد جميع السلط سلطاتها، فهو البوثقة التي تنصهر فيها كل السلط الدينية والعسكرية، والسياسية والإقتصادية؛ وهذا ما يؤكد حقيقة واقع المجالات المحفوظة للملك، كاستراتيجية وجب التفكير فيها، بحثا عن أسباب التحولات المعاقة والتي تحول دون الإنتقال الديمقراطي، والتي تتخذ مقتضيات اللحظة الوطنية علة لإرجاء اللحظات الديمقراطية، تارة بإسم الإستقرار أوتارة بعلة تحصين هيبة الدولة؛ والحال أن دولة المؤسسات المنشودة تقتضي إعادة النظر في العقيدة الأمنية بدمقرطة العلاقات والتعاقدات من أجل ضمان إنتقال أمني يؤسس لكل الإنتقالات ، من خلال رد الإعتبار للشرعية الديموقراطية كمأسسة لبقية الشرعيات الوطنية والتاريخية والتي تظل في آخر التحليل موضوع تهديد من قبل الدولة العميقة العالمية، والتي بدورها تأبى إلا أن تتكيف عوض أن تتحول إنسانيا بأفق ديموقراطي وعادل، وقد وجب التذكير بأن لهذه الدولة ” الامبريالية ” دولتها داخل أغلب الدول، إما في صيغة طوابير خامسة، أو في شكل إمتداد و توافق المصالح، مما يهدد بحروب المصالح والتواطئات الأهلية ، والتاريخ حافل بالنماذج والدروس!


أعود إلى مواقف جيلنا التنظيمي و السياسي والفكري ، والذي وإن كان يتمسك بجدوى الدولة كمؤسسات دستورية، فإنه لا ينفي جدوى الصراع الفكري والسياسي والإجتماعي ولا يلغي ضرورته، ولن يتسامح، طبعا بالصراع السلمي والديموقراطي، مما يستدعي ضرورة إستحضار طبيعة التناقضات وحسن ترتيبها، فالخصوم السياسيون واضحون، بقدر وضوح إستراتيجية التغيير أو الإصلاح، وكذلك الأولويات والتحالفات الإستراتيجية والموضوعية، في مواجهة ومعارضة كل الخيارات اللاديمقراطية وغير الوطنية، سواء صدرت عن الدولة الدستورية ومؤسساتها أو عن الدولة العميقة ومهندسيها الأمنيين، لأن المسؤوليات السياسية والقانونية واضحة ومحددة ولو كانت أخلاقية أحيانا.

ويبقى على الجميع دمقرطة العلاقات بتفعيل دسترة مقتضيات المحاسبة والمساءلة تطبيقا لمبدأ “عدم الإفلات من العقاب”، فليس مصطلح الدولة العميقة إلا تعبير مجازي عن شبكة أصحاب المصالح داخل الدولة الواحدة، والتي تخشى الشفافية أو المشاركة السياسية التي قد تؤثر على مصالحها. إذن، ما الخطأ أن نسمي ذلك بالتحالف المصالحي الحاكم وجبت مناهضة سياساته علانية ودون مواربة أو اتكالية ، فقد صدق من قال ” الإختلاف في وضوح أفضل من الإتفاق في غموض “.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى