قراءة نقدية لمشروع قانون المسطرة الجنائية: تحديات وتناقضات
ذ/ يوسف عبد القاوي
عضو مجلس هيئة المحامين بالدار البيضاء
شهد مشروع قانون المسطرة الجنائية، مؤخراً، تعديلات جذرية تُعد جزءاً من الإرث التشريعي للولاية الحالية لوزارة العدل. رغم أن هذه التعديلات تأتي في سياق سياسي وأمني متسارع، فقد أثارت العديد من الأسئلة حول مدى توافقها مع المصلحة العليا للبلاد، وحماية الحقوق والحريات الفردية.
يمكن تقسيم التحليل النقدي إلى عدة محاور لتسليط الضوء على الجوانب المثيرة للجدل والتحديات التي قد تطرأ.
السرعة والتسرع في التعديلات:
تُظهر التعديلات التي أُدخلت على قانون المسطرة الجنائية رد فعل سريع على التحديات الأمنية والسياسية. هذه السرعة في تقديم التعديلات قد تؤدي إلى تبني تغييرات غير مدروسة بشكل كافٍ، مما يعرض التوازن بين حماية الأمن العام وضمان الحقوق الفردية للخطر.
فغياب الدراسة المتأنية والتشاور المجتمعي قد يسبب عدم توازن في النصوص القانونية، حيث يمكن أن تُفقد التعديلات الحساسية المطلوبة تجاه الحقوق والحريات الأساسية.
توسيع تعريف الجرائم وصلاحيات الضابطة القضائية:
تتضمن التعديلات توسيعاً في تعريف الجرائم المتعلقة بأمن الدولة، وزيادة صلاحيات الضابطية القضائية. هذا التوسع يعكس توجهاً نحو تعزيز قبضة السلطات التنفيذية على الأمور الأمنية.
وتطرح هذه التوسعات تحديا إذ قد تؤدي إلى المساس بالمكتسبات الديمقراطية وحقوق الإنسان، حيث يمكن أن تفتح المجال لانتهاك الحقوق الفردية وإجراءات قانونية غير عادلة.
الأهداف المشروعة مقابل المخاوف من التضييق:
تسعى بعض التعديلات لتحقيق أهداف مشروعة/ مثل مكافحة الجرائم الاقتصادية والإلكترونية/ وتقديم بدائل عقابية للسجن، وهو ما يُعد تطوراً إيجابياً.
ومع ذلك، فإن الطريقة التي تم بها إدخال هذه التعديلات تثير مخاوف حول إذا ما كانت تسهم فعلاً في تحقيق المصلحة العامة أم أنها تعكس رؤية ضيقة للأمن تتجاوز اعتبارات العدالة والحرية.
الحاجة إلى مراجعة شاملة:
تكشف القراءة النقدية لهذه التعديلات عن الحاجة الملحة لمراجعة شاملة تأخذ بعين الاعتبار الأهداف والوسائل المستخدمة. يجب أن تسعى هذه المراجعة إلى ضمان أن تكون التعديلات في خدمة المجتمع، وتحترم حقوق أفراده بشكل عادل.
وبالتالي ترى أنه من الضروري أن يشمل أي تعديل قادم دراسة معمقة، واستشارة واسعة مع المجتمع المدني والمعنيين، لضمان التوازن بين تعزيز الأمن وحماية الحقوق والحريات.
تسعى التعديلات في مشروع قانون المسطرة الجنائية إلى تحسين فعالية النظام القضائي، ولكن الطريقة التي تم بها إدخال هذه التعديلات تثير العديد من الأسئلة حول التوازن بين الأمن والحقوق الفردية. ولتحقيق أقصى فائدة من هذه التعديلات، يتطلب الأمر مراجعة شاملة تعيد النظر في الأهداف والوسائل، لضمان تحقيق المصلحة العامة وحماية المكتسبات الديمقراطية.