في سياق مشحون بالأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بالمغرب، تظهر مشاهد متناقضة تثير التساؤلات، فمن جهة تخرج حكومة عزيز أخنوش، رافعة شعار التوظيف وتوفير فرص العمل كأولوية محورية للنصف الثاني من ولايتها، و من جهة أخرى تثير الخطط التوسعية لمجموعة “أكوا”، المملوكة لرئيس الحكومة عزيز أخنوش، تساؤلات عميقة حول أولويات التنمية ومواءمة الاستراتيجيات الاقتصادية مع احتياجات المواطنين.
للحظة نظن أن الشعارات تخص خفض نسبة البطالة في كندا.
فبينما ترفع الحكومة شعارات رنانة حول تعزيز التوظيف الداخلي، تقود مجموعة “أكوا”، المملوكة لرئيس الحكومة ذاته، حملة توظيف خارج البلاد، وتحديدًا في كندا، لاستقطاب كوادر متخصصة للعمل في مشاريعها المتنوعة.
من هنا تبدأ المفارقة التي لا يمكن إغفالها، فعوض أن تسخر “أكوا” جهودها لدعم السوق المغربية التي تشهد نزيفًا واضحًا في المواهب وفراغًا في الفرص، تتجه الشركة إلى البحث عن الخبرات في الخارج، وتشمل هذه الحملة قطاعات حيوية مثل الطاقة المتجددة والفلاحة، وهي مجالات يُفترض أن تشكل ركيزة للاقتصاد الوطني، ولكن يبدو أن الاستراتيجية التي تنتهجها الشركة تهدف بالأساس إلى تعزيز مكانتها في الأسواق الدولية، حتى ولو كان ذلك على حساب المساهمة الحقيقية في معالجة أزمات البلاد.
الأدهى أن هذه الخطوة تأتي متزامنة مع تخصيص الحكومة المغربية، بقيادة أخنوش نفسه، ميزانية ضخمة تتجاوز 43 مليار درهم لوكالة التنمية الفلاحية لدعم مشاريع “الجيل الأخضر”، فإذا كانت هذه الأموال العامة تُضخ لتحفيز الاقتصاد الوطني، فلماذا لا تسهم “أكوا” في ترجمة هذه الاستثمارات إلى فرص عمل داخل المغرب؟ هل هي مفارقة قدرية أم تخطيط مدروس يستفيد من الخزينة العامة لتعزيز مكاسب الشركات الخاصة؟
تبدو هذه السياسة أقرب إلى فصاحة إعلامية لا أكثر، حيث يتم الترويج لحملة التوظيف في كندا كدليل على “الرؤية العالمية” للمجموعة، بينما يغرق الشباب المغربي في مستنقع البطالة والإقصاء.
أليس من الأجدى أن تبدأ هذه الرؤية العالمية بحل المشاكل المحلية أولاً؟ أم أن التنمية المحلية لا تُدر نفس الأرباح التي تحققها المغامرات الدولية؟
في قراءة متأنية لهذا الوضع نكتشف أن الأمر يتجاوز مجرد توظيف هنا أو هناك. نحن أمام مشهد سياسي واقتصادي يتداخل فيه النفوذ الشخصي مع السياسات العامة بشكل غير مسبوق، فمجموعة “أكوا”، التي تنعم بامتيازات واضحة في السوق المغربي، تختار الابتعاد عن الاستثمار في رأس المال البشري الوطني لصالح الكوادر الأجنبية، وهذا يُبرز بوضوح الهوة بين ما يُقال وما يُفعل، وبين الشعارات الرنانة والواقع القاسي الذي يعيشه المواطن المغربي.
قد تكون “أكوا” تسعى لإبراز نفسها كلاعب عالمي في مجالات الطاقة والفلاحة، لكن هذه “العالمية” تبدو في الحقيقة انعكاسًا لانفصال واضح عن الأولويات الوطنية، وفي الوقت الذي تحتاج فيه البلاد إلى جهود موحدة للخروج من الأزمة الاقتصادية، تظهر الشركات الكبرى كأنها كيانات مستقلة، لا ترى في السوق المغربية سوى مصدرًا للربح السريع دون التزام فعلي بمسؤولياتها الاجتماعية.
هكذا، يتبدى أن حملة التوظيف في كندا ليست سوى نموذج مصغر لسياسات أوسع تُدار فيها موارد البلاد لخدمة مصالح ضيقة، في تجاهل صارخ لما يمر به الشعب من ضيق اقتصادي وغياب للفرص.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: إلى متى سيبقى المواطن المغربي رهينًا لهذه السياسات التي ترفع شعارات التنمية، بينما تغرقه في أزمات لا تنتهي؟