تُعد قضية “كازينو السعدي” من أبرز القضايا التي تسلط الضوء على التحديات التي تواجه جهود مكافحة الفساد في المغرب، حيث باتت رمزًا لتراكمات الفساد المالي والإداري التي أرهقت الاقتصاد الوطني وزادت من تآكل الثقة في النظام القضائي.
من خلال بلاغها الأخير، دعت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، فرع مراكش، إلى إعطاء الأولوية لاسترجاع الأموال المنهوبة ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم الاقتصادية. وقد جاء هذا المطلب بعد صدور قرار محكمة النقض بشأن القضية، التي استغرقت أكثر من عقدين من الزمن، لتبرز بذلك كأحد أطول ملفات الفساد تعقيدًا في تاريخ القضاء المغربي.
و استعرضت الجمعية، في بلاغها، الخلفيات المعقدة لهذه القضية التي تعود جذورها إلى ما يزيد عن عقدين من الزمن، اذ كشفت التحقيقات الأولية عن سوء تدبير واختلاسات مالية فاقت 45 مليار سنتيم، وفق المحاضر الرسمية، في واحدة من أكبر الفضائح التي هزت مدينة مراكش، ورغم الأهمية القانونية والاجتماعية لهذه القضية، التي استغرقت إجراءات التقاضي ما يقارب 17 عامًا، وهي مدة استثنائية وصفتها الجمعية بأنها تعكس محاولة واضحة لتمطيط الزمن القضائي من قِبل المتهمين الذين استغلوا الفراغات القانونية والتعقيدات الإجرائية.
فيما أشارت الجمعية في بلاغها انه و رغم الأحكام الصادرة التي تضمنت عقوبات سالبة للحرية وغرامات مالية، فإن تنفيذ هذه الأحكام لا يزال عالقًا، وتبرزُ هنا رمزية الملف، حيث يتورط فيه منتخبون وشخصيات عامة شغلت مناصب مؤثرة، ومن
أبرز هؤلاء، رئيس سابق لمجلس كليز، الذي ارتقى في سلم المناصب ليصبح برلمانيًا ورئيسًا للجنة التشريع، مستغلاً نفوذه لتأمين مصالحه الاقتصادية التي شملت مشاريع عقارية ومؤسسات تعليمية خاصة، كما شملت القائمة مقاولين وموظفين ومسؤولين آخرين، بعضهم لا يزال يشغل مواقع قيادية، على الرغم من ارتباط أسمائهم بشبهات فساد متكررة.
وفي تعليقها على هذا التطور، أكدت الجمعية أن قرار محكمة النقض يعد خطوة إيجابية لكنها غير كافية في غياب التنفيذ الفعلي للأحكام، واعتبرت أن هذا الملف يمثل نموذجًا صارخًا للانتهاكات الاقتصادية التي تضر بالحقوق الاجتماعية للمواطنين، خاصة أن الأموال المنهوبة كانت ستساهم في تحسين الخدمات العامة وتعزيز التنمية المحلية.
كما انتقدت الجمعية بشدة غياب المجلس الجماعي لمدينة مراكش كطرف مدني في القضية، واصفة هذا الغياب بأنه مؤشر على تغليب المصالح الضيقة على الالتزامات المؤسسية بحماية المال العام، و ورأت في ذلك دليلاً على استمرار نهج الإفلات من العقاب، حيث تغرق المؤسسات المنتخبة في شبكات من الفساد والمحسوبية تعيق تحقيق العدالة وتعزز ثقافة التسيب.
وفي سياق أوسع، طالبت الجمعية بإصلاحات تشريعية عاجلة تركز على استرجاع الأموال المنهوبة وربطها بمشاريع تخدم المصلحة العامة، كما شددت على ضرورة تعزيز آليات المساءلة والمراقبة القضائية للقضايا المالية الكبرى، داعية إلى الإسراع في الفصل في الجرائم الاقتصادية ضمن آجال معقولة لتجنب تحول القضاء إلى أداة تطيل أمد الانتهاكات بدلًا من وضع حد لها.
الجمعية لم تكتفِ بالمطالب القانونية، بل أكدت على الأبعاد الاجتماعية للقضية، مشيرة إلى أن استمرار الفساد والإفلات من العقاب يؤدي إلى تعميق الفوارق الاجتماعية ويعطل فرص التنمية المستدامة، ورأت أن استرجاع الأموال المنهوبة يمثل أكثر من مجرد استحقاق قانوني، بل هو مسؤولية أخلاقية تجاه المواطنين الذين يعانون من تدني مستوى الخدمات العامة بسبب استنزاف الموارد.
وفي ختام بلاغها، شددت الجمعية على ضرورة تبني نهج قاطع في التصدي للفساد، معتبرة أن قضية “كازينو السعدي” ليست مجرد ملف قانوني بل اختبار لإرادة الدولة في وضع حد لنظام يحمي المتورطين ويكرس ثقافة الإفلات من العقاب.
تُظهر قضية “كازينو السعدي” الحاجة الماسة إلى معالجة التحديات البنيوية التي تعيق تحقيق العدالة الناجزة في المغرب، خصوصًا في قضايا الفساد الكبرى. كما تُبرز ضرورة تفعيل آليات الرقابة والشفافية، بما يضمن عدم تكرار مثل هذه التجاوزات مستقبلاً.
تظل هذه القضية مثالًا حيًا على أهمية الإرادة السياسية والمجتمعية في كبح جماح الفساد، الذي يُعد أحد أكبر معوقات التنمية المستدامة.