الرئسيةرأي/ كرونيك

على هامش تعديلات مدونة الأسرة

جليل
بقلم الكاتب جيليل طليمات

لا شك في أن أي تناول موضوعي لما انتهت إليه المشاورات الطويلة والمنفتحة على كافة فعاليات وفئات المجتمع بخصوص تعديل مدونة الأسرة الجاري بها العمل منذ سنة 2004, يقتضي التنويه بهذا المسار الذي اتخذته مراجعة المدونة, مسا رالحوار بروح جماعية واحدة تتغيا سد الثغرات والنواقص التي أبانت عنها تجربة عقدين من اعتماد مقتضيات المدونة السالفة الذكر .

إن ردود الفعل السلبية, على اختلاف تعبيراتها ودرجة استيعابها وفهمها للتعديلات التي أقرتها اللجنة الاستشارية والمجلس العلمي الأعلى, تفرض تحديدا دقيقا لطبيعة هذا الورش الإصلاحي الحساس والمعقد جدا في كافة المجتمعات , خاصة منها تلك المترددة في اقتحام أفق الحداثة الفكرية والسياسية . وفي هذا السياق , أكتفي بالتحديدات السريعة التالية :

_ إنه من الطبيعي أن يتمحور أي جهد إصلاحي للأسرة حول المرأة كطرف أومكون مضطهد كونيا. فالحيف والتمييز تجاه حقوق المرأة سمة جوهرية لمجتمع مثل مجتمعنا ما يفرض على أية معالجة لوضعية الأسرة مقاربة اجتماعية وحقوقية لأوضاع المرأة بالدرجة الأولى.

_ إن عامل الثقافة الذكورية, ذات الجذور العميقة والراسخة في الوعي واللاوعي الجماعي, تشكل حطب مختلف ردود الفعل تجاه أي تحديث للتشريعات المتعلقة بالأسرة , وهذا ما يعطي بعدا آخر لمسألة إصلاح قوانين الأسرة ,هو البعد الثقافي, فالذهنية الذكورية كقاسم مشترك بين الرجل والمرأة على حد سواء, تتخذ في مجالنا الثقافي من النص الديني منفذا وذريعة لتكريس وضعية الحيف في الحقوق بين الرجل والمرأة ,وترسيخ النظرة الدونية إليها .

_وعليه , فإن النهوض بالأسرة المغربية من طريق تشريعات حديثة ونافذة, سيظل وثيق الارتباط برؤية اجتماعية حقوقية وثقافية حديثة و مندمجة لوضعية المرأة باعتبارها العنصرالأكثر تضررا من عقود طويلة من الحيف والتهميش والإقصاء, لم تسعف معها بعض المكتسبات المحققة لتبوأها المكانة المجتمعية المطلوبة , موضوعيا وذاتيا,في التنمية الاقتصادية والإجتماعية, والتحديث المجتمعي .

_ وأخيرا , إذا كان النهوض بوضعية المرأة اجتماعيا وحقوقيا وتشريعيا شرطا لأي قانون أسري إنساني قائم على العدل والمساواة في الحقوق , فإن الإرادة السياسية للدولة في بلوغ ذلك تبقى هي الحاسمة حتى لا يتم الالتفاف على التشريعات المتقدمة,أ وتحويلها إلى مجرد حقوق شكلية, أو تأويلها في اتجاه نقيضها (كما جرى بخصوص زواج القاصرات).. فالدولة, في نهاية المطاف, هي المؤهلة للحسم في طبيعة ونفاذ التشريعات التحديثية المطلوبة بعيدا عن أي تلفيق, أو تأويلات نكوصية للنص الديني .

وللموضوع عودة بعد أن تهدأ بعض النفوس, وينجلي الغبار..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى