الرئسيةسياسة

التهرب الضريبي في تحصيل الرسم على الأراضي غير المبنية…تهديد حقيقي لموارد الجماعات الترابية

تُعدّ الموارد الذاتية للجماعات الترابية في المغرب، ومن أبرزها الرسم المفروض على الأراضي الحضرية غير المبنية، دعامة أساسية لتمويل المشاريع التنموية وتحسين الخدمات العامة، إلا أن الواقع يكشف عن اختلالات عميقة في تدبير هذا المورد الحيوية، مما يضعف من قدرة هذه الجماعات على تحقيق التنمية المنشودة،.

فرغم أن القانون المغربي يُلزم الجماعات الترابية بإجراء إحصاء سنوي للملزمين، بالتعاون مع وزارة المالية، بهدف إنشاء قاعدة بيانات دقيقة لضمان التحصيل الفعّال، إلا أن العديد من الجماعات تعاني من نقص حاد في المعطيات اللازمة لتحديد المكلفين بدقة، هذا القصور يُفسح المجال أمام ظاهرة التهرب الضريبي، حيث يستغل البعض هذه الثغرات للتهرب من أداء المستحقات المفروضة عليهم.

فيما تعاني الجماعات الترابية من ضعف واضح في مداخيلها، خاصة تلك المرتبطة بالرسم على الأراضي غير المبنية. هذا الوضع يحدّ من قدرتها على تمويل المشاريع المحلية ويُدخلها في دائرة من الاعتماد المفرط على شراكات خارجية غالباً ما تكون غائبة أو غير كافية، ولعلّ أحد أبرز مظاهر هذا الضعف يتمثل في التلاعب بآليات التحصيل.

إذ تكشف مصادر مطلعة أن بعض الجماعات تتقاعس في تحديث قاعدة بيانات الملزمين أو تتلاعب بإصدار أوامر التحصيل، مما يعطل إرسال هذه الأوامر إلى مصالح الخزينة العامة، هذا التقصير لا يقتصر على ضعف الكفاءة، بل يفتح الباب أمام ممارسات غير قانونية تخدم مصالح المنعشين العقاريين الذين يستفيدون من تأجيل إصدار أوامر التحصيل إلى ما بعد عمليات بيع الأراضي، في حين يضع هذا التأجيل عبء الأداء على المشتري بدلاً من البائع، وهو خرق واضح للنصوص القانونية التي تجعل المنعش العقاري، كمالك أصلي للأرض، المسؤول عن أداء الرسم.

اثارت هذه الممارسات تذمر العديد من المواطنين الذين يجدون أنفسهم في مواجهة تكاليف إضافية نتيجة تقاعس المسؤولين المحليين في تطبيق القانون بشكل صارم، ويشير متابعون إلى أن قلة من الجماعات الترابية تلتزم بتنفيذ مقتضيات القانون بشكل سليم، بينما تعاني الأغلبية من غياب تحديث البيانات وعدم إصدار أوامر التحصيل في الوقت المناسب.
هذا التفاوت في الأداء يزيد من الفجوة بين المنعشين العقاريين والمواطنين العاديين الذين يتحملون عبء الرسوم في نهاية المطاف، ما يخلق شعوراً بالظلم ويؤثر على الثقة في المؤسسات المحلية.

من جهتها، تعزز تقارير المجالس الجهوية للحسابات تُعزز هذه المخاوف، حيث تكشف أن عدداً كبيراً من الملزمين يلجأ إلى أساليب متنوعة للتحايل على أداء الرسوم، بما في ذلك تقديم تصريحات ضريبية مزيفة أو غير مكتملة والتلاعب في تحديد الوعاء الضريبي، كما أن الأخطاء الإدارية مثل تسجيل بيانات غير دقيقة، سواء في الأسماء أو العناوين أو القيم المالية، تعيق عمليات التحصيل وتُسهم في تضخم المبالغ غير المحصلة.

هذه التراكمات تُلقي بظلالها على الجماعات الترابية التي تجد نفسها عاجزة عن الاستفادة من موارد مستحقة كان يمكن أن تُسهم في تحسين أوضاعها المالية.

أمام هذه التحديات الملحة، يصبح إصلاح النظام الضريبي ضرورة لا تقبل التأجيل، و يتطلب ذلك التزاماً حقيقياً بتحديث قاعدة بيانات الملزمين بشكل دوري ودقيق، إلى جانب تعزيز آليات الرقابة لضمان تحصيل الرسوم بفعالية، كما أن محاربة التهرب الضريبي تحتاج إلى تكامل بين الإجراءات التقنية والصرامة القانونية لضمان تطبيق عادل وشفاف، و بالإضافة إلى ذلك، فإن إنهاء حالة التواطؤ بين بعض المسؤولين المحليين والمنعشين العقاريين يمثل أولوية قصوى لحماية الموارد المالية للجماعات الترابية وضمان استدامتها.

هذه الإصلاحات ليست مجرد خطوات تقنية، بل هي استجابة ضرورية لإرساء العدالة الضريبية وبناء ثقة متجددة بين المواطن والمؤسسات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى