هولدينغ الإعلام العمومي: هل هو خطوة نحو مزيد من تكريس غياب التعددية وضمور الاستقلالية؟
أعلن فيصل العرايشي، الرئيس المدير العام للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، عن مشروع توحيد القنوات العمومية تحت مظلة هولدينغ موحد، في خطوة يُروج لها على أنها استراتيجية لتعزيز الأداء وترشيد الموارد.
الا ان الفكرة في حد ذاتها تثير مخاوف حقيقية حول ما إذا كانت ستكون تأبيدا لعدم استقلالية الإعلام العمومي و في تأبيد أيضا عد تعدديته سواء في الجانب الثقافي أو السياسي وغيرها؟
فعلى الرغم من تطمينات العرايشي بأن الخط التحريري لكل قناة سيظل مستقلاً، إلا أن الواقع الإعلامي الحالي في المغرب يوحي بعكس ذلك، حيث يعاني الإعلام العمومي منذ سنوات من هيمنة سياسية واضحة على مضامينه، التي غالباً ما تُستخدم للترويج لسياسات الحكومة وإبراز إنجازاتها، مع تهميش القضايا اليومية التي تؤرق المواطن المغربي، مثل البطالة، التعليم، الصحة، والفقر…، هذه الملفات، رغم أهميتها، تُطرح غالباً بشكل سطحي، إن لم يتم تجاهلها كلياً، مما يجعل دور الإعلام العمومي في خدمة الجمهور محل شكوك عميقة.
من زاوية أخرى، النقد الموجه لمشروع الهولدينغ الإعلامي لا يقتصر على مسألة الاستقلالية فحسب، بل يمتد ليشمل الدور الفعلي الذي يجب أن يلعبه الإعلام “العمومي”، حيث تبرز تحديات متعلقة بالرقابة الذاتية المفروضة على الصحافيين، والتي تحدّ من قدرتهم على تناول القضايا الحساسة بجرأة وموضوعية، كالقضايا الاقتصادية مثل التضخم وغلاء المعيشة، أو الاجتماعية مثل هشاشة الخدمات في المناطق النائية و ضعف المنظومة الصحية، أو سياسية، كالحريات والاعتقال والفساد، و المواضيع المتعلقة بعدم المحاسبة، و ضعف المؤسسات المنتخبة، وانعدام الشفافية في المشاريع العامة، وغيرها، أو يتم تناولها في أغلب الأحيان بمعالجات عابرة تفتقر إلى التقارير الاستقصائية التي تسلط الضوء على عمق الإشكاليات.
ومع مركزة القرار الإعلامي في الهولدينغ الجديد، ستتعزز المخاوف من أن المشروع، بدلاً من أن يكون خطوة نحو تحرير الإعلام العمومي، قد يكون وسيلة لتعزيز قبضة السلطة التنفيذية عليه.
على صعيد آخر، يروج للبعد الاقتصادي للمشروع باعتباره خطوة نحو كفاءة مالية أكبر، من خلال توحيد الموارد البشرية والتقنية وصفقات المعدات. ومع ذلك، فإن التركيز على ترشيد النفقات، مجرد حلول تقنية من جهة لا تقدر خصوصية الإعلام ودوره المميز في تطوير الوعي المواطنتي، ومن جهة ثانية قد يأتي على حساب التعددية الإعلامية.
إن تفضيل الكفاءة الاقتصادية دون النظر إلى أهمية تنوع المضامين قد يكرّس هيمنة محتوى موحّد مثلما هو الوضع الحالي، حيث يُفقد الإعلام العمومي قدرته على تمثيل مختلف الشرائح الثقافية والسياسية.
في نفس السياق، يثير النقاش حول العقد المرتقب بين الحكومة والهولدينغ تساؤلات أعمق حول التمويل ومدى تأثيره على التوجه التحريري، و إذا ما كان العقد يشترط أولويات معينة في المحتوى، فذلك قد يُكرّس التبعية السياسية للقنوات، مما يعمّق أزمة الثقة بين المواطن والإعلام العمومي.
وفي ظل التحديات الحالية، يصبح من المشروع التساؤل عن كيفية ضمان استقلالية التحرير والتعبير في كيان موحّد يخضع مباشرة لإشراف مركزي.
التحول نحو هولدينغ إعلامي موحد يضع مستقبل الإعلام العمومي في مرحلة حرجة.
فالإعلام العمومي في المغرب، كما هو الحال في العديد من البلدان التي لم تحسم بعد في ذهابها للديمقراطية، بمثابة مرآة تعكس السياسات والتوجهات العامة للدولة، فإذا كان هناك تردد أو بطء في تعزيز الديمقراطية في الخطاب السياسي والمؤسساتي، فمن المتوقع أن يظهر ذلك بشكل واضح في الإعلام العمومي، و هو ما يُظهر بوضوح في عدم وجود إرادة سياسية للانتقال نحو الديمقراطية وسيادة الشعب وحرية النقاش العمومي، ومن تم مخرجات العرايشي وكأنها شرود أو مصادرة على المطلوب، بل إنها جزء من منظور تبخيس السياسة وتبخيس أهميتها في معالجة الأمور. والأهم من ذلك تبخيس الإعلام ودوره ككل.