تعيش المملكة المغربية تحديات متزايدة في مجال الطاقة، تفاقمت بفعل تعطيل نشاط مصفاة “سامير” بالمحمدية والتحرير غير المنظم لأسعار المحروقات، مما أدى إلى تداعيات سلبية خطيرة على القدرة الشرائية للمواطنين وعلى التوازنات الاقتصادية الكبرى، إلى جانب المساس بالسيادة الطاقية للبلاد.
في هذا السياق، عقدت الجبهة الوطنية لإنقاذ المصفاة المغربية للبترول التي تأسست في عام 2018، و هي تجمع مدني يضم ممثلين عن مختلف الأطياف السياسية والنقابية، وكذلك الخبراء والمتخصصين في مجال الطاقة. اجتماعها الدوري يوم الجمعة 24 يناير 2025، حيث ناقش المكتب التنفيذي مستجدات قضية “سامير”، وتطورات سوق المحروقات، محذرة من الآثار السلبية التي تنجم عن تعطيل التكرير في المصفاة المغربية للبترول وفتح سوق المحروقات بشكل عشوائي. والتحديات المطروحة أمام المغرب لضمان أمنه الطاقي.
و أكدت الجبهة في بلاغها على ضرورة تحقيق السيادة الطاقية في ظل التحولات الدولية المتسارعة والطلب الوطني المتزايد، والذي يستوجب تبني مقاربة شاملة تعتمد على مزيج طاقي متوازن، يشمل الطاقات الأحفورية كالنفط والغاز الطبيعي جنبًا إلى جنب مع الطاقات المتجددة والتقنيات الحديثة، فبالرغم من التوجهات العالمية نحو الطاقات النظيفة، فإن الوقود الأحفوري سيظل يحتل مكانة رئيسية في المنظومة الطاقية خلال العقود المقبلة، الأمر الذي يفرض على المغرب ضرورة امتلاك مفاتيح هذه الصناعة الاستراتيجية.
كما شددت الجبهة على أن العودة لتكرير البترول عبر إعادة تشغيل مصفاة المحمدية وربطها بالبنية التحتية للغاز الطبيعي وإنشاء صناعات بتروكيماوية متطورة، يعد خيارًا استراتيجيًا لضمان توفير مخزون وطني كافٍ من المحروقات ومشتقاتها، وتعزيز القدرة التنافسية للصناعة الوطنية، إضافة إلى الحد من التبعية المطلقة للأسواق الخارجية وما يرافق ذلك من مخاطر تقلبات الأسعار وندرة العرض.
وفيما يتعلق بمآل شركة “سامير”، وبعد انتهاء مسطرة التحكيم الدولي لدى المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار، دعت الجبهة الحكومة إلى تحمل مسؤولياتها التاريخية في إنقاذ المصفاة وإعادة تشغيلها بكامل طاقتها الإنتاجية. وترى الجبهة أن الحل الأمثل يتمثل في تفويت الشركة للدولة بمقاصة الديون المتراكمة، بما يسمح بوقف نزيف الأصول المادية والبشرية، وتحقيق الصالح العام بعيدًا عن أي اعتبارات سياسية أو مصالح ضيقة.
هذا و عبرت الجبهة عن قلقها العميق تجاه الوضع الراهن لسوق المحروقات، مؤكدة أن تحرير الأسعار تم بطريقة عشوائية ودون توفير آليات لضبط المنافسة، ما أتاح فرصة لاحتكار السوق من قبل شركات معدودة وتحقيق أرباح طائلة تجاوزت 75 مليار درهم منذ 2016.
وفي السياق ذاته، طالبت الجبهة بضرورة سحب المحروقات من قائمة المواد المحررة، وإقرار تسعيرة عادلة تأخذ بعين الاعتبار التكاليف الفعلية وحماية المستهلك، كما انتقدت الجبهة أداء مجلس المنافسة، معتبرة تقاريره المتتالية غير مجدية ولا تضيف أي قيمة حقيقية لضبط السوق أو الحد من الممارسات الاحتكارية.
وفي ظل الأوضاع الراهنة، أكدت الجبهة على أن قضية “سامير” تتجاوز كونها قضية إفلاس شركة خاصة، بل إنها قضية وطنية بامتياز تتعلق بحماية المال العام وضمان استمرار مرفق استراتيجي يساهم في الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، مؤكدةً على ضرورة تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وفتح تحقيق شامل لتحديد المسؤوليات في سقوط الشركة في مستنقع التصفية القضائية، خاصة وأن ديونها العالقة تجاوزت 100 مليار درهم.
ولتوسيع دائرة النقاش حول موضوع السيادة الطاقية، أعلنت الجبهة عن تنظيم ندوة وطنية بشراكة مع مجموعة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بمجلس المستشارين، تحت عنوان “رهانات وتحديات السيادة الطاقية للمغرب”، وذلك خلال شهر أبريل المقبل.
هذه الندوة تهدف إلى تسليط الضوء على الحلول الممكنة لمواجهة التحديات المطروحة، لتعزيز الأمن الطاقي الوطني في ظل المتغيرات الدولية الراهنة.
ختامًا، تؤكد الجبهة الوطنية لإنقاذ المصفاة المغربية للبترول أن السبيل الوحيد لتحقيق الأمن الطاقي وضمان استقرار أسعار المحروقات يكمن في العودة إلى تكرير البترول محليًا، وإلغاء التحرير الفوضوي للأسعار، وإرساء سياسات طاقية متوازنة تستند إلى المصلحة العليا للوطن والمواطن.