
لا حل لها إلا عن طريق المقاومة..بنيس: دعم قضية فلسطين يفتقر ل“بُعد ثقافي” يعزز الفهم العميق لجذورها
اعتبر الكاتب والشاعر المغربي محمد بنيس، أنه “لا حل للقضية الفلسطينية إلا عن طريق المقاومة، التي هي حركة وطنية، وحركة دفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ولا تؤيدها أي قوة كبرى في العالم؛ وهذا الأمر العظيم للشعب الفلسطيني”.
جاء ذلك خلال اللقاء الذي نظمته المقهى الأدبي فاطمة المرنيسي، الذي يشرف عليه كرسي فاطمة المرنيسي، والذي احتضنته “سينما النهضة” ليلة أمس الأربعاء بالرباط، حيث أكد الأكاديمي بنيس، أن حركة المساندة للقضية الفلسطينية، سواء في المغرب أو في العالم العربي، تتميز فقط بتركيزها على الجانب التعبوي من مظاهرات ودعم مالي وغيره، إلا أنها تفتقر إلى “بُعد ثقافي” يعزز الفهم العميق لجذور القضية وأبعادها الفكرية والتاريخية.
واعتبر بنس وهو يقدم كتابه، “فلسطين ذاكرة المقاومات”، أن قضية فلسطين “موضوع لكل زمان، لا تحكمه الظرفية”، وأنه يضيف في “سنة 2017 بدأت أجمع ما كتبته عن فلسطين في كتاب، ولم أدر متى يتم، وهل سأتمّ جمعه. لكن في يوم إعلان فكرة ‘صفقة القرن’ بدا لي أن الوقت حان. أوقفت أشغالي كلها، وبدأت جمع ما كتبته، وبسرعة بدا لي أن الفكرة أكبر؛ فنصوصي وحدها لا تعنيني، بل تعنيني فكرة أوسع؛ فبادرت بالسفر إلى باريس، حيث توجد مكتبات، وكتب حديثة، وأصدقاء يمكن أن أفيد منهم في مراجع ومناقشات، وكانت رحلة مفيدة جدا. وبعض الكتب المهمة التي استفدت منها كثيرا صدرت في تلك الفترة؛ وبدأت أشتغل ضد الساعة”.
وأضاف بنيس، أنه “في نهاية نونبر 2020 كان الكتاب منتهيا، قبل بدء المشهد المسرحي الكبير لعملية التطبيع. ثم مع التطبيع أضفت النص الأخير في الكتاب..” مستركا بالقول، إنني “وجدت نفسي مضطرا للتذكير بالأساسي في العمل؛ وهو البعد الثقافي للقضية الفلسطينية والكفاح الفلسطيني عبر التاريخ، وكفاح مجموعة من الكتاب والأدباء والعلماء والمفكرين والفلاسفة في هذا الموضوع.
وتابع المتحدث ذاته، “كنت ألاحظ دائما على حركة المساندة في المغرب والعالم العربي أنها تولي الاهتمام فقط لما هو تعبوي، وهذا جميل، من مظاهرات ودعم مالي، إلا أنها ينقصها المركز، وهو البعد الثقافي لهذه المأساة الكبرى، بما فيها الأصول الفكرية للصهيونية، والتعريف بها، وامتداداتها، وتفرعاتها”.
وأشار الشاعر محمد بنيس، “أن هذا الكتاب تولّد عن إحساس بأن “الذاكرة ضرورية، لكنها متعددة، ولكي يكون لها معنى لا بد أن تكون ذاكرة شاملة لما هو صوت جماعي من أجل فلسطين”.
في السياق ذاته، أكد بنيس أن القضية الفلسطينية ليست مجرد صراع سياسي، بل هي قضية فكرية وحضارية تحتاج إلى قراءة معمقة لجذور الصهيونية وأصولها الفكرية وامتداداتها، موضحا ذلك من خلال طرحه لعدة أسئلة ومنها: “هل نعرف هذه الأصول؟ وأين امتداداتها؟ وما هي تفرعاتها؟”، معبرا،عن قلقه من اتساع ”التهميش الثقافي” لفلسطين، مشيرًا إلى أن اسمها يكاد يكون غائبًا عن الصحافة والخطاب العالمي، حتى أن “غوغل قام بحذف اسم فلسطين”.
وأكد بنيس في المداخلة نفسها،“نجد العديد من المنظمات لدعم فلسطين، وهذا ممتاز، لكن في المقابل لا نجد حركية ثقافية ومكتبة فلسطينية حقيقية، بينما سنة 1905 أو 1906 كانت الموسوعة الصهيونية موجودة؛ ونحن عالم بعيد جدا، رغم حاجتنا إلى استيعاب المأساة، وحتى لا نتسرع ونقول: غدا الحل، وغدا نصل إليه. بل أذكّر بمحمود درويش: ‘سأقطع هذا الطريق الطويلَ الطويلَ إلى آخِري… وإلى آخِرِهْ”.
و كتاب، “فلسطين ذاكرة المقاومات” يجمع فيه بنيس مقتطفات عديدة من كتب، ونصوص سردية وشعرية، ومقالات، وأبحاث، بأقلام خطتها في القرنين الماضي والحالي من مختلف أنحاء العالم، تتحدث عن فلسطين، و”تبرز عمق «القضية الفلسطينية»، والتغلب الذي سلب حقوق الشعب الفلسطيني والشعوب المرتبطة به، ومسار الظلم والحرب المستمرة الذي سلكه المجتمع الإنساني باختياره القوة والمصلحة بدل المبدأ، بالانحياز إلى الاحتلال.
كما يتضمن الكتاب اقتباسات ونصوصاً، مما نشره مفكرون وكتاب، من بينهم: عبد الكبير الخطيبي، جاك دريدا، محمود درويش،عبد الله العروي، مكسيم رودنسون، جيل دولوز، فدوى طوقان، قسطنطين زريق، غسان كنفاني، جيمس بالدوين، مريد البرغوثي، أشيل مبيمبي، إميل حبيبي، معين بسيسو، إيلان بابي، إلياس خوري، نعوم تشومسكي، وغيرهم.
وتحتل الذاكرة في الكتابة عن فلسطين وضعية ما اوضحه الكاتب، بالمنبّه على تعدّد في الوقائع والأفعال، وعلى تعدد في الرؤية والمقاربات. لذلك فهي ذاكرة مقاومات ثقافية لتعميق معرفتنا بالقضية الفلسطينية ولتوصيل الأساسي مما نعرف عن هذه المقاومات إلى القادمين، إذ بدون توصيله ستبقى الشهادة على زمن القضية الفلسطينية ناقصة.
إن الشاعر والأكاديمي محمد بنيس، اسم غني عن التعريف وكتابه بدون شك، يعكس شغفا دفينا بفلسطين، الذي تميز به لسنيين، ويأتي في سياق من الوهن العربي الشامل حيث تتعرض فيه فلسطين لهجمة شرسة وتحتاج لمقاومة ثقافية وحضارية ضد النسيان، وضد تفقير الذاكرة وإهمال الجوانب الثقافية والفكرية وضرورتها في النبش تجاه هذه المظلمة التاريخية الكبرى.