
الدار البيضاء: محمد أصواب (ومع)
الدار البيضاء 13 مارس 2025 (ومع) لتلافي الملل وتناسي الجوع وتمضية الوقت، ترقبا لأذان الإفطار المنتظر، يجد الكثيرون ضالتهم في تصفح لامتناهي، دون هدف أو وجهة محددة، لمنصات “تيك توك” و”إنستغرام” وغيرها من شبكات التواصل الاجتماعي. من مقطع فيديو قصير “ريلز” (reels) إلى آخر، يسيح البعض لساعات طويلة في متاهات “التصفح المتواصل”، متعذرين بكون الأمر يتعلق بـ “رمضان، ليس هناك ما يمكن القيام به!”.
ما يبدأ كمجرد وسيلة لتمضية الوقت يتحول سريعا إلى عادة راسخة، بل قد يصبح سلوكا “قهريا” يتسبب في مجموعة من المشاكل: اضطرابات النوم، القلق، الخمول، العزلة الاجتماعية… وهي سمات مميزة لحالة الإدمان.
وفي هذا الصدد، أكدت الأخصائية النفسية، ريم عكراش، أن الرغبة القهرية لتصفح المحتوى عبر صفحات التواصل الاجتماعي تتسم بتراكم هائل للمعلومات، مما يسبب القلق في بعض الأحيان، وقد يؤدي إلى ضغط نفسي شديد وقلق واضطرابات في النوم.
واعتبرت، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن “هذا السلوك يتوافق مع المعايير الكلاسيكية للإدمان: الإكراه وفقدان السيطرة والتأثير السلبي على الحياة الشخصية والمهنية”.
وتابعت “خلال فترات خاصة مثل شهر رمضان، يمكن لهذا السلوك أن يستحوذ على العقل، ويؤثر سلبا على التركيز”.
من جانبه، أكد المستشار في مجال مواقع التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي، مروان هرماش، أن المسؤولية لا تقع فقط على عاتق المستخدمين، بل أيضا على استراتيجيات المنصات.
وأوضح، في تصريح مماثل، أنه “تم تصميم خوارزميات شبكات التواصل الاجتماعي لتحقيق أقصى قدر من الانخراط عبر تحليل سلوكياتنا وتقديم محتوى مخصص”، مضيفا أنه “خلال شهر رمضان، تعمل هذه المنصات على ملاءمة استراتيجيتها من خلال إبراز المواضيع المتعلقة بالمجال الروحي، ووصفات الطبخ أو حتى التحديات الخيرية النموذجية خلال هذه الفترة، مما يشجع المستخدمين على البقاء متصلين بها”.
ومن خلال إرساء هذا الارتباط الرقمي، يسيطر التصفح على المجال الروحي، ويمنع من التركيز على جوهر شهر رمضان، والذي من المفترض أن يشكل لحظة مناسبة للنهل من الزاد الروحي والطاقة الإيجابية واتخاذ قرارات صائبة.
وبالنسبة لأمينة نايت سي، الأستاذة الباحثة وعضو المجلس العلمي المحلي بعين السبع – الحي المحمدي، فإن “شهر رمضان هو فترة مواتية للصلاة وقراءة القرآن الكريم والتأمل، بعيدا عن الملهيات”.
وتؤكد، مستشهدة بحديث للنبي محمد صلى الله عليه وسلم: “نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ”، على أهمية تدبير وقت الفراغ بشكل جيد لتجنب الإفراط في قضاء وقت طويل على الشبكة العنكبوتية، محذرة من أن “قضاء ساعات طوال أمام الهاتف في أمور تافهة، قد يبعد المؤمن عن الروحانية ويؤدي إلى شكل من أشكال الإدمان”.
إزاء هذا الوضع، ما هي الحلول الممكنة ؟
تشجع الأخصائية النفسية، ريم عكراش، على الاستثمار في الجانب الروحاني من خلال ممارسات التأمل. وتنصح قائلة “يمكننا استبدال الوقت الذي نقضيه على الإنترنت بقراءة ملهمة أو أنشطة غنية تعزز التفاعل الاجتماعي، مثل الدردشة أو المشاركة مع الآخرين”.
من جانبه، يدعو الخبير الرقمي، مروان هرماش، إلى استخدام أكثر وعيا لشبكات التواصل الاجتماعي، معتبرا أن “تحديد حدود واضحة، وتعطيل الإشعارات غير الضرورية، وتحديد فترات زمنية مخصصة لوسائل التواصل الاجتماعي تساعد على تجنب فخ التصفح السلبي”.
ومن الجانب الديني، تدعو أمينة نايت سي إلى الانضباط والتوازن، مؤكدة أنه “يجب على كل شخص، حسب قدراته وظروفه، أن يسعى إلى الحد من الوقت الذي يقضيه أمام الشاشات، مع إعطاء الأولوية لأوقات الصلاة والقراءة والتأمل التي تغذي الروح وتقوي الإيمان”.
ماذا لو كان هذا الأمر، قبل كل شيء، مسألة اختيار؟ أي ترك الشاشة من أجل إعادة التركيز على جوهر الشهر الفضيل: تلك اللحظات من الصلاة والتعبد التي تجمع الإنسان بخالقه. في حين، يظل “سجناء التصفح” عالقين في دوامة المحتوى الرقمي اللامتناهي. هل سيدركون، على الأقل، ما يفوتهم.. قبل أن يزج بهم مقطع “الريلز” الموالي في عوالم أخرى ؟