
مع حلول شهر رمضان المبارك، تبرز تساؤلات كثيرة حول تأثير الصيام على الجهاز الهضمي، خصوصاً عند من يعانون من قرحة المعدة، التي تعد من أكثر المشكلات الصحية انتشاراً بين الصائمين، والتي تستوجب عناية خاصة للحفاظ على صحة المعدة وتجنب المضاعفات المتوقعة، و يرى المختصون أن الصيام بحد ذاته ليس بالضرورة عاملاً سلبياً على من يعانون من القرحة، بل قد يكون له تأثير إيجابي إذا تم الالتزام بنظام غذائي متوازن يحافظ على استقرار إفرازات المعدة ويحميها من التهيج الذي قد يسببه تناول بعض الأطعمة غير المناسبة خلال فترتي الإفطار والسحور.
من جهته يؤكد الدكتور أحمد مراد، أخصائي الجهاز الهضمي، أن المشكلة الأساسية التي تواجه مرضى قرحة المعدة في رمضان ليست الصيام بحد ذاته، بل العادات الغذائية التي قد تضر بصحة المعدة وتفاقم الالتهابات المصاحبة للقرحة، ويشدد على ضرورة تجنب الأطعمة التي تحتوي على نسبة عالية من التوابل والدهون المشبعة والمقليات والمشروبات الغازية التي تزيد من إفراز أحماض المعدة وتسبب شعوراً بالحرقة و الانزعاج، كما ينصح بتناول وجبات صغيرة ومتوازنة خلال ساعات الإفطار والحرص على اختيار مصادر غذائية غنية بالبروتينات الخفيفة والخضروات المطهية التي تساعد في تهدئة جدار المعدة وتخفيف أعراض القرحة.
من جانبه، يشير الدكتور سامي المورادي، استشاري التغذية العلاجية، إلى أن الصيام يمكن أن يشكل فرصة لإراحة الجهاز الهضمي شريطة اتباع نظام غذائي سليم، حيث يساهم الامتناع عن الطعام لساعات طويلة في تقليل الضغط على المعدة وإعطائها فرصة لإعادة التوازن في إفرازاتها، إلا أن الخطأ الذي يقع فيه الكثيرون هو الإفراط في تناول الأطعمة الدسمة والمقلية فور الإفطار، مما يؤدي إلى زيادة التهابات المعدة وارتفاع نسبة الحموضة بشكل مفاجئ، وهو ما يجعل المريض يعاني من مضاعفات كان يمكن تجنبها من خلال اختيار أطعمة سهلة الهضم والتدرج في تناول الطعام بعد فترة الصيام.
و من النصائح المهمة التي يوصي بها المختصون ضرورة بدء الإفطار بوجبة خفيفة مثل التمر والحليب أو حساء دافئ، يليها تناول البروتينات الصحية مثل الأسماك والدجاج منزوع الجلد مع الحرص على الابتعاد عن اللحوم المصنعة والأطعمة الغنية بالسكريات التي تزيد من التهابات المعدة، كما يشدد الأطباء على أهمية تناول وجبة السحور وعدم إهمالها، حيث تساعد هذه الوجبة في تقليل الشعور بالحموضة والحد من تأثير الصيام على المعدة طوال اليوم، وينصح بأن تحتوي على عناصر غنية بالألياف مثل الشوفان أو الخبز المصنوع من الحبوب الكاملة مع البروتينات الخفيفة مثل الزبادي أو البيض.
فيما يؤكد المختصون أن شرب كميات كافية من الماء بين الإفطار والسحور يعد من العوامل الأساسية في الحفاظ على صحة الجهاز الهضمي، حيث يساعد الماء في معادلة أحماض المعدة وتسهيل عملية الهضم، إلا أن بعض المشروبات مثل القهوة والشاي المركز قد تؤدي إلى زيادة الحموضة، وينصح بتجنبها أو تناولها بكميات معتدلة وبعيداً عن أوقات النوم لضمان عدم حدوث ارتجاع حمضي.
من الناحية الطبية، يرى الباحثون أن الصيام يمكن أن يكون له أثر إيجابي في تحسين بعض مشكلات الجهاز الهضمي إذا تم الالتزام بنظام غذائي متوازن، إذ يساعد الامتناع عن تناول الطعام لساعات طويلة في تقليل الالتهابات وتحفيز المعدة على تجديد أنسجتها.
لكن هذا التأثير الإيجابي مشروط بتجنب العادات الغذائية الضارة والاعتماد على مصادر غذائية صحية ومتنوعة توفر للمعدة البيئة المناسبة للشفاء التدريجي،
هذا و يشير الدكتور خالد الجابري، اختصاصي أمراض الجهاز الهضمي، إلى أن مرضى القرحة الذين يعانون من أعراض حادة أو نزيف في المعدة يجب أن يستشيروا طبيبهم قبل اتخاذ قرار الصيام، حيث قد يكون من الضروري اتباع بروتوكولات علاجية معينة لتفادي أي مضاعفات صحية.
تظل الرسالة التي يحملها المختصون واضحة: يشكل التوازن الغذائي العامل الأساسي في الحفاظ على صحة المعدة خلال شهر رمضان، حيث يعتمد نجاح الصيام لمرضى قرحة المعدة على كيفية اختيار الأطعمة المناسبة ومراقبة رد فعل الجهاز الهضمي تجاهها، ومع اتباع النصائح الطبية السليمة، يمكن للصيام أن يتحول إلى فرصة لتعزيز صحة المعدة والحد من مضاعفات القرحة، بدلاً من أن يكون تحدياً صحياً يصعب التعامل معه.