الرئسيةسياسة

من أين نبدأ القصة؟..سامير: المصفاة التي احترقت في نار القرارات وتُركت رماداً في مهب المصالح

تحرير: جيهان مشكور

هناك قصص لا تحتاج إلى خيال كاتب روائي لصياغتها، لأن الواقع نفسه يكتب فصولها بعبثية تفوق أي حبكة درامية، ومن بين هذه القصص، قصة شركة سامير، المصفاة الوحيدة لتكرير البترول في البلاد، التي قضت المحكمة التجارية بتصفيتها في 21 مارس 2016، تاركة خلفها إرثًا من الأسئلة، والخسائر، والوعود التي تتبخر مع كل تصريح حكومي جديد،وما زال الملف يحبو في دهاليز القضاء، فيما يعاني الشعب المغربي من تذبذب أسعار المحروقات، التي تزداد يوماً بعد يوم دون أدنى قدرة على التفسير أو حتى تعديل المسار.

تسع سنوات مرّت، وكأن الزمن نفسه يتباطأ في هذا الملف، الذي تحول إلى مسرحية لا تضحك أحداً سوى أولئك الذين يقفون على خشبة المسرح ويتبادلون الأدوار دون تغيير.

واليوم، وبعد تسع سنوات من هذا الحكم، يحاول الحسين اليماني، الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز ورئيس الجبهة الوطنية لإنقاذ المصفاة المغربية للبترول، تسليط الضوء على هذه المعركة، و يحمل الأمل في أن تُعادَ الحياة لهذه المصفاة التي كانت رمزًا للاستقلالية الطاقية.

لكن، يبدو أن اليماني يواجه تحديات أكبر من مجرد الحديث عن إعادة تشغيل سامير، فهو يتعامل مع حكومة، قد تكون مشغولة بتوفير الراحة للأبناك الكبرى ولأصحاب المصالح، أكثر من انشغالها بمستقبل أمن الطاقة في المغرب.

تأسست شركة سامير في الستينات بقرار وطني خالص، تحت قيادة حكومة عبد الله إبراهيم، بهدف تحقيق الأمن الطاقي والاستقلالية في تزويد البلاد بالوقود، لكن هذه الرؤية الوطنية تراجعت مع تعاقب الحكومات، ليصل الأمر إلى خوصصتها خلال فترة حكومة عبد اللطيف الفيلالي، ومن ثم دخولها في دوامة الصراعات المالية التي بلغت ذروتها في عهد حكومة عبد الإله بنكيران.

تجدر الإشارة أن هذا التوقف تزامن مع قرار تحرير أسعار المحروقات، مما جعل السوق المغربي رهينة لتقلبات الأسعار الدولية، دون وجود آلية وطنية للتكرير تساهم في تخفيف العبء على المستهلكين وضمان استقرار الأسعار.

في الحقيقة، يبدو أن ملف سامير يعكس صورة مصغرة للوضع العام في البلد: الوعود متكررة، والحلول غائبة. تسع سنوات من الخسائر الاقتصادية والاجتماعية بسبب الإغلاق، و المفارقة في كل هذه القضية تكمن في أن سامير كانت يومًا ما في قلب استراتيجية وطنية، بينما اليوم هي مجرد بقايا صراع بين الدائنين والمدينين، وبين “التاجر الكبير” والمواطن الذي أصبح يعاني كلما دخل محطة بنزين.

الأدهى من ذلك أن الشعب الذي كان يجب أن يحظى بفائدة تشغيل المصفاة أصبح اليوم “المصفاة” الثانية، حيث يتحمل أعباء الأزمة، ويكتوي بنار الأسعار المتصاعدة.

و إذا كانت الحكومة قد تأخرت في اتخاذ قرار بشأن ملف سامير، فإن الحقيقة الأشد مرارة هي أن الشعب المغربي هو من يدفع الثمن: يزداد فقراً، ويتعرض لارتفاعات مفاجئة في الأسعار، وتضيع فرص العمل بسبب الإغلاق الطويل للمصفاة، فهل ننتظر الحكومة القادمة لكي تقول كلمة الفصل؟ أم أن هذا الملف سيظل مجرد “قضية عالقة” يتم التهرب منها كلما اقترب موعد الانتخابات؟

ما بين الأمل في إعادة إحياء سامير والألم الذي تسببت فيه سنوات الإغلاق، يظل مصير هذه المنشأة رهيناً بقرار سياسي جريء، ليطرح اليماني تساؤلاً مشروعاً: هل سيتعامل رئيس الحكومة الحالي، عزيز أخنوش، مع ملف سامير كقضية استراتيجية تتطلب حلولاً عاجلة، أم أنه سيترك الأمور تسير في مجرى “المصالح الخاصة” التي لا تعرف شيئاً عن “المصلحة العامة”؟ بصيغة أخرى، عزيز أخنوش، رئيس الحكومة ورجل الأعمال الذي يعرف سوق المحروقات عن ظهر قلب، “طبعا فهو المستثمر الأول في هذا القطاع”، هل سيتعامل مع ملف سامير كرجل دولة يُقدِّم المصلحة العامة، أم كرجل أعمال يوازن بين أرباحه وخسائره؟

في النهاية، مرت تسع سنوات، والمغرب يواصل التذبذب في سوق المحروقات دون القدرة على السيطرة عليه، يبدو أن الحلول الوحيدة التي أوجدناها هي “الانتظار” و”المراقبة”.

كل عام، نُشاهد نفس المشهد: زيادات في الأسعار، تصريحات من المسؤولين، ووعود من النقابات، لكن المصفاة تظل مغلقة. فهل نحتاج إلى تسع سنوات أخرى من الانتظار؟ أم أن المستقبل يحمل مفاجآت غير سارة تنتظرنا في نهاية هذا النفق المظلم؟ الإجابة على هذا السؤال قد تكون، في نهاية المطاف، أكثر إيلاماً مما نتصور.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى