الرئسيةمجتمع

عيد الأم: رحلة فكرة تحولت إلى تقليد عالمي.

يحتفل العالم اليوم بعيد الأم، المناسبة التي تجسد تقدير المجتمع لدور الأم وتضحياتها.

و على الرغم من أن الاحتفال بهذا اليوم أصبح جزءًا من تقاليد العديد من الدول، إلا أن أصول الفكرة تعود إلى بدايات القرن العشرين عندما بدأت المجتمعات الغربية تدرك الحاجة إلى تخصيص يوم لتكريم الأمهات، خاصة في ظل تزايد حالات الإهمال التي تعرضت لها بعضهن، وقد جاءت هذه الفكرة كرد فعل من المفكرين الغربيين الذين رأوا أن الأبناء باتوا يهملون أمهاتهم ولا يؤدون واجب الرعاية والاحترام تجاههن، مما دفعهم إلى تخصيص يوم محدد لتذكير الأبناء بقيمة الأم ودورها في المجتمع.

يعود أول احتفال رسمي بعيد الأم إلى عام 1908 في الولايات المتحدة، عندما قامت الناشطة الأميركية آنا جارفيس بتنظيم احتفال تكريمي لوالدتها الراحلة، حيث كانت والدتها تردد دائمًا أن هناك حاجة ليوم يكرم الأمهات ويجمع شمل العائلات، معتبرة أن ذلك قد يسهم في نشر المحبة والحد من النزاعات.

تأثرت آنا بهذه الفكرة، وبعد وفاة والدتها، كرّست جهودها لجعل “عيد الأم” تقليدًا رسميًا، وقد نجحت بالفعل عام 1914 عندما أقرّ الرئيس الأميركي وودرو ويلسون هذا اليوم كعيد وطني في الأحد الثاني من مايو، لكن مع مرور الوقت، أصيبت جارفيس بالإحباط بعدما تحول العيد إلى مناسبة تجارية بحتة، حيث استغلتها الشركات لبيع الهدايا والزهور، وهو ما اعتبرته تحريفًا لرسالتها الأصلية.

و سرعان ما انتشرت فكرة عيد الأم خارج الولايات المتحدة، حيث تبنتها دول أوروبية وآسيوية وعربية، مع اختلاف في تاريخ الاحتفال، ففي العالم العربي، يُحتفل بعيد الأم يوم 21 مارس، وهو أول أيام فصل الربيع، ليكون رمزًا للتجدد والحياة.
أما في النرويج، فيتم الاحتفال به في 2 فبراير، بينما تحدد الأرجنتين يوم 3 أكتوبر لهذه المناسبة، وتحتفل به جنوب إفريقيا في الأول من مايو.
أما الولايات المتحدة وألمانيا، فيتم الاحتفال به في الأحد الثاني من مايو، فيما اختارت إندونيسيا يوم 22 ديسمبر ليكون مناسبة خاصة لتكريم الأمهات.

في العالم العربي، يعود الفضل في إطلاق فكرة عيد الأم إلى الصحافي المصري الراحل علي أمين، مؤسس جريدة “أخبار اليوم” مع شقيقه مصطفى أمين، فقد طرح علي أمين الفكرة لأول مرة في مقاله اليومي الشهير “فكرة”، متسائلًا: “لماذا لا نتفق على يوم من أيام السنة نطلق عليه ‘يوم الأم’ ونجعله عيدًا قوميًا في بلادنا وبلاد الشرق؟”، لكن الشرارة الحقيقية لانطلاق الفكرة جاءت عندما زارت إحدى الأمهات مصطفى أمين في مكتبه، وسردت له قصتها المؤثرة؛ فقد كرّست حياتها لتربية أبنائها بعد وفاة زوجها، وضحّت بالكثير من أجلهم حتى تخرجوا في الجامعة وتزوجوا، لكنها وجدت نفسها وحيدة بعدما انصرف عنها أبناؤها تمامًا، تأثر مصطفى أمين بقصتها وكتب مقالًا يدعو فيه إلى تخصيص يوم لتكريم الأمهات والاعتراف بجميلهن.

لقيت الفكرة صدى واسعًا بين القراء، حيث أرسل العديد منهم اقتراحات حول كيفية الاحتفال بهذا اليوم، حيث رأى البعض أن يُخصص أسبوع كامل للأم بدلًا من يوم واحد، في حين اعتبر آخرون أن كل أيام السنة يجب أن تكون للأم، لكن الغالبية العظمى أيدت تخصيص يوم محدد، فتم اختيار 21 مارس ليكون “عيد الأم” في العالم العربي، كونه يتزامن مع بداية الربيع، فصل التجدد والنقاء والمشاعر الجميلة.

تحوّل عيد الأم إلى مناسبة سنوية يحتفل بها الملايين، حيث يقدم الأبناء الهدايا والزهور لأمهاتهم ويعبرون لهن عن حبهم وامتنانهم، وبمرور الوقت، أصبح هذا العيد فرصة ليس فقط لتكريم الأمهات، بل أيضًا لتسليط الضوء على قضايا المرأة ودورها المحوري في بناء المجتمع.
ورغم اختلاف مظاهر الاحتفال من بلد لآخر، إلا أن الرسالة الأساسية تبقى واحدة: الأم هي القلب النابض للعائلة والمجتمع، وتستحق التقدير والاحتفاء بها كل يوم، وليس في مناسبة واحدة فقط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى