مصطفى البرغوثي من الوجوه البارزة، المتميزة، والفاعلة في المشهد الفلسطيني. أسَّس “حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية” بمعية حيدر عبد الشافي، و إدوارد سعيد، وإبراهيم الدقاق سنة 2002. شارك في المفاوضات التي أسفرت عن اتفاقية أوسلو سنة 1993، لكنه استقال من عضوية الوفد لمعارضته لمنهجيتها، ولمخرجاتها المخيبة للآمال.
رجل خبَّر طبيعة الكيان الشاذة، وعاين عن كثب وحشية الاحتلال، والحقد المستطير الذي تنفثه أنفاسُه، و”الشر المطلق” الذي يتفجَّر من مسامه.
عقلُه ووجدانُه مع المقاومة بكل صورها وأشكالها وأساليبها، أقربُها إليه “المقاومة الشعبية”. هو لا ينتقص من الوسيلة الناعمة، لكنه يدرك أن المقاومة المسلحة هي الخيار الذي تمليه المواجهة مع الاحتلال ذي الأوتاد، الذي طغى في البلاد.
بالنظرة البعيدة، وبالرؤية الاستراتيجية ناصَرَ طوفان الأقصى، وبالحجة القوية، والعبارة الذكية تصدى للسردية الصهيونية، وناظَرَ المروجين لها من الأذناب.
القتل، والتدمير، والتهجير، والإبادة الجماعية كلها جرائم من عمل الاحتلال، ولا تتحمل فيها المقاومة أية مسؤولية، فالاحتلال لم ينتظر ساعة السابع من أكتوبر ليقتل، ويدمر، ويهجر، ويبيد البشر والحجر والشجر. هي جريمة ممتدة منذ 1948، لم توقف حلقاتها الرهيبة لا مهادنة، ولا مسالمة، ولا مصالحة.
ومن فساد النفس، وشقاء الوعي تأثيم المقاومة، وتنزيه الاحتلال. موقفه، المبدئي والأخلاقي، الداعم لخط المقاومة يعلو، فوق الشبهات، فهو لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء. مصطفى البرغوثي يعمل اليوم جاهداً، كما عمل في الماضي، على إعادة بناء الوحدة الوطنية الفلسطينية، وترميم ما تصدَّع من منظمة التحرير الفلسطينية.
بالنسبة إلى الاحتلال، موت الإنسان الفلسطيني هو الغاية وهو الطريق نحو تحقيق “نبوءة إشعياء”، لا فرق بين مسالم ومقاوم. هذه الحقيقة هي التي يسعى مصطفى البرغوثي إلى إحيائها في الوعي الفلسطيني خصوصاً، والعربي عموماً. لكي لا تضيع فلسطين، ويجلس القوم على تَلِّها.