الرئسيةبيئةمجتمع

تازة..كارثة بيئية متجددة في دوار أولاد تاونزة

في مشهد مألوف لكنه يزداد سوءًا عامًا بعد عام، عاش سكان دوار أولاد تاونزة، بجماعة اكزناية الجنوبية، قيادة أكنول في إقليم تازة، ليلة كئيبة وسط دخان أسود خانق انبعث من المطرح العشوائي للنفايات المجاور لهم، لم يكن مجرد دخان، بل سحابة قاتلة أخضرت وجوه الأطفال وكبّدت المسنين وأصحاب الأمراض المزمنة معاناة اختناق وصعوبات تنفسية حادة، في مواجهة تكرار مشهد كارثي يهدد حياتهم يوميًا،، بلا حسيب أو رقيب.

المطرح العشوائي: بيئة مهددة وصحة في خطر مباشر

يقع هذا المطرح على بعد خطوات من المنازل، حيث لم يعد مجرد مشكلة بيئية بل تحوّل إلى وباء صحي يومي.. فحرق النفايات بشكل عشوائي يُنتج سحبًا من الغازات السامة التي تحتوي على مركبات مسرطنة وأخرى تسبب أمراضًا تنفسية وجلدية مزمنة.

فحسب تقارير وزارة الصحة، فإن التعرض المستمر لهذه الملوثات يزيد من حالات الأمراض التنفسية في المنطقة بنسبة تفوق 35% مقارنة بالمناطق المجاورة الخالية من هذه المطارح.

المصب العشوائي للمياه العادمة: تلوث بلا حدود

لا يقتصر الخطر على النفايات الصلبة فحسب، بل يشكل المصب العشوائي للمياه العادمة تهديدًا بيئيًا خطيرًا اضافيا، حيث تُفرغ المياه غير المعالجة في مجرى طبيعي، مسببة تلوثًا متزايدًا للتربة والمياه الجوفية، التي يعتمد عليها الفلاحون في زراعتهم، هذا و قد كشفت منظمة البيئة الوطنية في تقرير حديث أن نسبة تلوث المياه الجوفية في المنطقة تجاوزت 40%، مما يعرض صحة الإنسان والنبات والحيوان للخطر.

من المسؤول؟ الجميع… ولا أحد يتحرك!

رُفعت شكايات، نُظّمت احتجاجات، وُقّعت عرائض… لكن شيئًا لم يتغير، لقد تم تحويل الصمت المؤسسي إلى سياسة معتمدة، وتحوّل “الإهمال الإداري” إلى شريك أساسي في الجريمة البيئية.

فرغم تكرار الشكايات التي توصلت بها مختلف المصالح، لا تزال ردود الأفعال بطيئة ومحدودة، فالمجالس المنتخبة، التي يُفترض أن تكون صوت المواطن وصمام أمانه، تغيب عن المشهد،أو تكتفي بالتصريحات الفضفاضة عند اقتراب الانتخابات، والسلطة المحلية تبدو عاجزة عن اتخاذ إجراءات حاسمة، في حين تغيب الرقابة البيئية الميدانية الحقيقية من طرف مصالح المياه والغابات والبيئة في أكنول، فيما يبدو أن السلطات الإقليمية، غير معنية، أو أن أولاد تاونزة لا توجد على خرائطها الإدارية

 اليماني: غياب الإرادة السياسية، والسكوت على تدمير بيئتنا

“هذا الصمت المؤسسي يشبه إعدامًا بطيئًا لحق الإنسان في العيش بكرامة، إنهم يقتلوننا ببطء عبر غياب الإرادة السياسية، والسكوت على تدمير بيئتنا.”

مطالب الساكنة: حق لا منة فيه

اليوم، يعيش أهل أولاد تاونزة على وقع معركة من أجل أبسط حقوقهم: بيئة نظيفة وصحة مضمونة بالدستور المغربي في الفصل 31 الذي ينص على حق المواطن في بيئة سليمة، وهو ما يطالب به سكان أولاد تاونزة بوضوح:

1. الإغلاق الفوري للمطرح العشوائي.. قبل أن يتحول إلى مقبرة صحية جماعية.
2. إنشاء محطة لمعالجة المياه العادمة تراعي المعايير الصحية والبيئية.
3. تشكيل لجنة إقليمية مشتركة من كل الجهات المختصة للمعاينة واتخاذ إجراءات عاجلة.
4. فتح تحقيق في أسباب التراخي المؤسسي وتحديد المسؤوليات القانونية، بدل الاكتفاء بتبادل اللوم أو إطلاق الوعود الكاذبة.

أرقام وإحصاءات تفضح التأجيل

وفق تقارير وزارة الداخلية، عدد المطارح العشوائية في المغرب تجاوز 2000 موقع، وأكثر من 60% منها لا تتوفر على شروط السلامة البيئية، ما يفاقم معاناة السكان المجاورين، في إقليم تازة وحده، تكررت شكايات أكثر من 15 دوار ضد التلوث البيئي في آخر 3 سنوات دون حلول جذرية.

في ظل هذه الإحصائيات الرسمية والتي تؤكد أن المغرب يعاني من تزايد غير مسبوق في المناطق التي تشهد تلوثاً بيئياً غير مراقب، فإن استمرار حالة دوار أولاد تاونزة يعكس فشلاً متراكماً في إدارة ملف البيئة، ويشكك في جدية التزام الجهات الرسمية بحق المواطنين في بيئة صحية.

البيئة تختنق… والثقة تُدفن تحت الرماد

الوضع في دوار أولاد تاونزة صار لا يحتمل المماطلة أو الانتظار، و استمرارية هذا الإهمال ليس فقط جريمة بيئية بل خيانة ممنهجة لثقة المواطنين في مؤسسات من المفترض أن تحميهم، إن ترك المنطقة في قبضة التلوث، هو إعلان رسمي بقتل بيئة وصحة وسلامة أجيال بكاملها.

تطالب الساكنة اليوم، و قبل فوات الأوان، بإرادة سياسية حقيقية، لا بشعارات جوفاء، توقف نزيف البيئة، وتحمي حق الإنسان في الحياة الكريمة وسط هواء نقي ومياه صالحة وزراعة آمنة، وإلا، فسيظل دوار أولاد تاونزة شاهدًا على مأساة إهمال تكررت أمام أعين الجميع، دون أن يتغير شيء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى