
تشهد قرية إميضر، الواقعة بإقليم تنغير جنوب شرق المغرب، أزمة بيئية واجتماعية متفاقمة نتيجة استغلال منجم الفضة للموارد المائية المحدودة وتلويثه للبيئة، مما دفع السكان المحليين إلى تنظيم احتجاجات متواصلة للمطالبة بحقوقهم في المياه النظيفة والعيش في بيئة سليمة.
وتم تسليط الضوء على هذه الأوضاع في دراسة حديثة صادرة عن “المعهد المغربي لتحليل السياسات”، والتي قدمت تحليلاً معمقًا لتأثيرات النشاط المنجمي على الموارد الطبيعية والصحة العامة.
يذكر أن اقتصاد إميضر المحلي يعتمد بشكل أساسي على الزراعة المعيشية وتربية المواشي، وهي أنشطة تتطلب موارد مائية مستقرة، إلا أن المناخ الجاف في المنطقة يجعل من المياه الجوفية المصدر الأساسي للشرب والري، و مع ذلك، فإن نشاط استخراج الفضة منذ عام 1969 أدى إلى استنزاف هذه الموارد بشكل غير مسبوق، حيث كشفت الدراسة أن المنجم يستهلك 1555 مترًا مكعبًا من المياه يوميًا، أي ما يفوق استهلاك سكان القرية بأكثر من 12 مرة.
ويعد منجم إميضر من أغنى مناجم الفضة في إفريقيا، حيث ينتج سنويًا 240 طنًا من الفضة، بسبائك ذات نسبة نقاء تصل إلى 99%.
في البداية، كان المنجم مملوكًا للدولة من خلال المكتب الوطني للهيدروكربونات والمعادن، لكنه خُصخص عام 1996 عندما استحوذت عليه مجموعة أونا (المدى حاليًا)، لضمان استمرارية عملياتها، قامت الشركة بحفر سبعة آبار عميقة بين عامي 1986 و2013 في مناطق مختلفة لتلبية احتياجاتها المائية.
هذا التوسع في استغلال الموارد المائية أدى إلى تداعيات خطيرة على سكان القرية، حيث لاحظ الأهالي انخفاضًا حادًا في تدفق المياه وجفاف الخطارات بعد فترة قصيرة من بدء تشغيل بعض هذه الآبار.
سلطت الدراسة الضوء على ثلاث مشكلات رئيسية ناتجة عن نشاط التعدين في المنطقة: الاستيلاء على الأراضي والمياه، والتلوث البيئي. منذ وصول شركة التعدين إلى إميضر، كانت الأراضي المستغلة من قبلها تُستخدم كمراعي وأراضٍ زراعية، ورغم حصول بعض العائلات على تعويضات مالية، فإن العديد منها أجبرت على مغادرة أراضيها بسبب توسع أنشطة التعدين، في ظل غياب تدخل السلطات لحماية حقوق السكان، استمرت الشركة في التوسع، مما زاد من معاناة الأهالي.
من ناحية أخرى، يؤثر التلوث الناجم عن عمليات استخراج المعادن ومعالجة النفايات بشكل مباشر على البيئة والصحة العامة. فقد سجلت حوادث خطيرة مثل تسرب السيانيد عام 1987 الذي تسبب في نفوق 25 رأسًا من الماعز، وحادثة مماثلة في أبريل 2023 أودت بحياة 50 رأسًا من الأغنام، كما أبلغ السكان عن ارتفاع في حالات الأمراض الجلدية والسرطان، مما يعزز المخاوف حول الأثر الصحي البالغ لهذه الأنشطة.
في ظل هذه المعطيات، تبقى إميضر نموذجًا واضحًا للصراع بين التنمية الاقتصادية والاستدامة البيئية، حيث يتطلب الأمر تدخلاً عاجلاً لحماية حقوق السكان المحليين وضمان استغلال عادل للموارد الطبيعية بما يحفظ التوازن البيئي والاجتماعي.