
سباق الإبداع يتأجج في “كان”: وجوه جديدة وتحديات قديمة في دراما السعفة الذهبية
في دورة تحتدم فيها المنافسة وتفيض بالأسماء اللامعة والرؤى السينمائية الطموحة، يشهد مهرجان كان السينمائي في نسخته الثامنة والسبعين توافد نخبة من المخرجين العالميين الذين يتنافسون على السعفة الذهبية، أرفع تتويج سينمائي يقدمه هذا الحدث الثقافي العريق.
يتخد المهرجان من مدينة كان الفرنسية مسرحًا سنويًا للاحتفاء بالسينما العالمية، و يبدو هذا العام أكثر تنوعًا وانفتاحًا، ليس فقط على مستوى الأسماء المشاركة، ولكن أيضًا من حيث الخلفيات الثقافية والجغرافية والأنماط الفنية المطروحة.
في هذا السياق أعلن المندوب العام تييري فريمو خلال مؤتمر صحفي عقده هذا الخميس عن قائمة المسابقة الرسمية ، حيث برز حضور ست مخرجات من بين عشرين مشاركًا، في مؤشر على توجه المهرجان نحو مزيد من الإنصاف الجندري في صناعة غالبًا ما هيمن عليها الرجال،و من بين هذه الأسماء النسائية، تبرز حفصية حرزي، الممثلة والمخرجة الفرنسية من أصول تونسية، والتي تخوض تجربتها الأولى في المنافسة الرسمية عن سن الثامنة والثلاثين، ما يجعل مشاركتها محط أنظار المتابعين، خاصة مع الخلفية الثقافية المتعددة التي تحملها وتجربتها التمثيلية اللافتة في السنوات الأخيرة.
في المقابل، لا تغيب الأسماء الكبرى عن المشهد، إذ يحضر المخرج الإيراني المرموق جعفر بناهي، رغم التحديات السياسية والمهنية التي واجهها في بلاده، ليقدم رؤيته مجددًا ضمن هذا المحفل الدولي بفيلمه “حادث بسيط”، والذي تم تصويره سراً، مما يضيف بعدًا دراميًا إلى قصته ، إلى جانبه، يأتي الأميركي ويس أندرسون، المعروف بأسلوبه البصري الفريد وتوظيفه اللافت للنجوم، ليقدم عملاً جديدًا من خلال فيلم The french dispatch، و الذي يُنتظر أن يكون من أبرز عناوين هذه الدورة.
الفرنسية جوليا دوكورنو، الفائزة السابقة بالسعفة، تعود بدورها برغبة جامحة في تحقيق نصر ثانٍ من خلال فيلمها الدرامي ألفا ، مما يجعل مشاركتها محل ترقّب كبير.
أما الشقيقان البلجيكيان جان بيار ولوك داردين، فطموحهما يتركز حول الظفر بجائزتهما الثالثة، لفيلم “الأمهات الشابات”، الذي يستعرض قضايا الأمومة والتحديات المرتبطة بها، في تأكيد على استمرارية حضورهما المؤثر في الساحة الأوروبية،بالإضافة إلى ذلك، يقدم المخرج النرويجي يواكيم ترير فيلمه “القيمة العاطفية”، الذي يتناول موضوعات الحب والذكريات.
وفيما تحتدم المنافسة داخل المسابقة الرسمية، يشهد المهرجان زخما في أقسامه الموازية، حيث يتوسع مجال التجريب وتقديم الوجوه الجديدة، سكارليت جوهانسون، نجمة هوليوود المتألقة، تدخل مجال الإخراج لأول مرة بفيلم يُعرض خارج المسابقة، في خطوة قد تفتح أمامها آفاقًا فنية جديدة خلف الكاميرا، كما يشهد المهرجان عرض فيلم من توقيع الممثل هاريس ديكنسون، بالإضافة إلى فيلم طويل يتناول حياة مغني فرقة “يو تو” بونو، مما يعكس اهتمامًا متزايدًا من السينما المعاصرة بتقاطع العوالم الفنية والسياسية في السرد السينمائي.
ومن أبرز الأعمال المنتظرة أيضًا، الفيلم المقتبس عن رواية “اختفاء جوزيف منغيليه” للكاتب أوليفييه غيز، والذي يتولى إخراجه الروسي المنفي كيريل سيريبرينيكوف، المعروف بطرحه الجريء لقضايا الهوية والمنفى والعدالة. ويبدو أن هذه التيمة ستلقى صدى خاصًا في هذه الدورة التي تتقاطع فيها الأبعاد الفنية والسياسية في أكثر من عمل.
الحضور الفرنسي بدوره يبدو مكثفًا وحيويًا، لا سيما من خلال اختيار الفيلم الجديد لسيدريك كلابيش، المستوحى من حياة المليارديرة الشهيرة ليليان بيتانكور، وتؤدي بطولته إيزابيل أوبير، إحدى أيقونات الشاشة الفرنسية. إلى جانب ذلك، تشارك ريبيكا زلوتوفسكي بفيلم روائي طويل من بطولة جودي فوستر ودانيال أوتوي، ما يعكس ميلًا واضحًا للجمع بين الأسماء الفرنسية والعالمية في تركيبات سردية جديدة، كما يحضر أليكس لوتز بفيلم مقتبس من رواية “كونيمارا” للكاتب نيكولا ماتيو، في عمل يُتوقع أن يوازن بين العمق الروائي والطرح السينمائي المعاصر.
على هامش المنافسة الرسمية، أعلن منظمو المهرجان عن حضور النجم الأميركي توم كروز يوم 14 مايو لمواكبة عرض أحدث أجزاء سلسلة “مهمة مستحيلة”، والذي يُعرض خارج إطار المسابقة، في خطوة تجمع بين البعد الجماهيري والاحتفاء بنجوم الشباك، كما سيُمنح الممثل القدير روبرت دي نيرو سعفة ذهبية فخرية، في تكريم مستحق لمسيرة فنية أثّرت في أجيال من صناع السينما.
افتتاح المهرجان المقرر في 13 مايو المقبل و سيُفتتح بفيلم روائي طويل للمخرجة الفرنسية أميلي بونّان، في أول تجربة سينمائية طويلة لها، بينما تتولى النجمة الفرنسية جولييت بينوش رئاسة لجنة التحكيم، ما يعزز حضور المرأة في مواقع القرار الفني داخل هذا المهرجان الذي يشكّل معيارًا دوليًا للتميّز السينمائي.
ترسخ الدورة الحالية لمهرجان كان، بتنوعها الجندري والجغرافي، وبانفتاحها على التجارب الجديدة في الإخراج والكتابة والتمثيل، مكانة هذا الحدث الثقافي باعتباره منصة للتلاقي بين السينما والفكر، وبين الفن والسياسة، وبين المخضرمين والوجوه الصاعدة، في سباق محموم نحو السعفة الذهبية، ولكن أيضًا نحو مستقبل أكثر شمولًا وثراء في صناعة السينما العالمية.