الرئسيةسياسة

بين التحضيرات الكبرى والاثار المباشرة على فئات سكانية توصف بالهشاشة: الوجه الآخر لسباق المغرب نحو مونديال 2030

تحرير: جيهان مشكور

في الوقت الذي يتطلع فيه المغرب إلى تعزيز مكانته العالمية عبر استضافة كأس العالم لكرة القدم سنة 2030 بشراكة مع إسبانيا والبرتغال، تكشف التحضيرات الجارية عن واقع موازٍ يعيشه سكان بعض الأحياء الشعبية، الذين وجدوا أنفسهم في قلب تغييرات عمرانية جذرية فرضت عليهم التكيف مع قرارات مفاجئة بالإخلاء والهدم.

في هذا الإطار يعيد التحقيق الميداني الذي نشرته صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية، تسليط الضوء على التبعات الاجتماعية والإنسانية لمشاريع التهيئة الحضرية المرتبطة بهذا الحدث الرياضي المرتقب، متوقفًا عند آثارها المباشرة على فئات سكانية توصف بالأكثر هشاشة.

أحد الأمثلة التي توردها الصحيفة يتمثل في حي “دوار العسكر” بمدينة الرباط، حيث وثقت شهادات لسكان تلقوا إشعارات بالإفراغ في آجال قصيرة دون وضوح في الإجراءات المصاحبة أو الضمانات المتعلقة بإعادة الإيواء، كما كشفت هذه الشهادات عن شعور بالارتباك والخوف لدى المتضررين، الذين أكد بعضهم أنهم لم يحصلوا على توضيحات بشأن مصيرهم، ولا على معطيات دقيقة حول طبيعة التعويضات المقررة، إن وُجدت.

الوضع في هذا الحي ليس حالة معزولة، بل يُمثل نمطًا بدأ يتكرر في أحياء أخرى داخل المدن المغربية المعنية بالتحضيرات لكأس العالم وكأس الأمم الإفريقية 2025، إذ تتوسع أوراش البناء والتأهيل على نحو يفرض تغييرات سريعة في الخريطة الحضرية.

حسب “ليبراسيون”، فإن المشاريع الجارية تمثل تحولًا كبيرًا في الشكل العمراني والبنيات التحتية، غير أنها في المقابل تُحدث نوعًا من الصدام بين متطلبات التطوير ورهانات العدالة الاجتماعية، فالتحولات تتم بوتيرة متسارعة، ما يجعل بعض العائلات تقف أمام واقع جديد لم تكن مهيأة له، دون مسار واضح للتشاور أو إشراك فعلي في اتخاذ القرار.

كما لفتت الصحيفة إلى أن هذه التحولات لا تقتصر على الجانب المادي فقط، بل تمسّ أيضًا البُعد الرمزي والوجداني للأحياء، حيث يرى بعض السكان أن ما يحدث يمثل اقتلاعًا من الجذور، خصوصًا أن الحديث لا يدور فقط عن مبانٍ بل عن مجتمعات صغيرة وعلاقات إنسانية نسجها الزمن.

في المقابل تؤكد السلطات المحلية أن هذه المشاريع تندرج ضمن رؤية شاملة لإعادة هيكلة المدن المغربية وتحسين جاذبيتها، خصوصًا في أفق احتضان تظاهرات دولية تتطلب بنى تحتية ملائمة ومعايير عمرانية حديثة.

كما تشير إلى أن الأسر المعنية بعمليات الترحيل تستفيد من تعويضات مالية أو سكن بديل في إطار ما تسمّيه التزامات قانونية واضحة، إلا أن غياب التفاصيل الدقيقة أو غموض آليات التنفيذ يظل موضع انتقاد من قبل المتتبعين للشأن المحلي.

في خضم هذه المعادلة المعقدة، يظل التحدي قائمًا بين طموح وطني يسعى إلى إبراز صورة المغرب كبلد قادر على استضافة كبريات الأحداث العالمية، وبين ضرورة ضمان حقوق السكان المتضررين وإيجاد صيغ تشاركية فعالة تحفظ كرامتهم وتُراعي ظروفهم، فالرهان الحقيقي لا يكمن فقط في إنجاز المشاريع العمرانية، بل في كيفية إحداث التحول دون أن يكون ثمنه فقدان الإحساس بالاستقرار والانتماء لدى آلاف المواطنين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى