
رواية “مأساة راهبة” للشاب عمر تيقة رحلة الألم الصامت والحدود المائعة بين الحياة وما بعدها
° بقلم حسن الوزان
تدور رواية “مأساة راهبة” -الصادرة عن منشورات النورس- حول شخصية آنا أودغارد، المرأة النرويجية التي تعيش في دير كنسي وتملك قدرة غريبة على التنبؤ بالمآسي، يعبر بنا الشاب الروائي عمر تيقة بأجواء من الحزن والذكريات والأسئلة الوجودية بأسلوب سردي محكم وبلغة ممتعة.
في أقصى الشمال، حيث تندمج الثلوج والضباب في نسيج رمادي لا نهاية له، وفي حضن دير قديم مطل على البحر النرويجي، تبدأ هذه الحكاية التي لا تُشبه شيئًا مما قد سمعته من قبل. إنها ليست قصة معجزات ولا حكاية رعب، بل سرد طويل، كأنفاس الشتاء، عن امرأةٍ تُدعى آنا أودغارد، امرأة ليست نبية، ولكنها تعرف. أكثر من الآخرين.
منذ طفولتها، كانت آنا ترى ما لا يُرى. كانت المآسي تمرّ أمام عينيها قبل أن تقع، شفافة، حزينة، مشوشة كأحلام الفجر. لم يكن أحد يصدقها، حتى أولئك الذين حضروا جنازاتٍ كانت قد رأت تفاصيلها قبل أسابيع. كانت رؤاها كأنها لعنة، أو ربما هدية ثقيلة حملتها دون أن تطلبها، فأثقلت كاهلها وأبعدتها عن العالم.
اختارت الانزواء في ديرٍ على حافة الصمت، حيث لا شيء يحدث بسرعة، وحيث يمكن للصلاة أن تغسل شيئًا من الغبار المتراكم في القلب. هناك، في الأروقة الباردة، بين الجدران التي تعجّ بالتراتيل القديمة، تحيا آنا مع ابنها ألبرت ذلك الصبي الذي جاءها في لحظة غريبة من الزمن، والذي لا تعرف إن كان خلاصها أم امتدادًا لعذاباتها.
رواية عمر تيقة ليست فقط حكاية آنا، بل مرآة لمآسي كثيرة تتقاطع داخلها: موت الأحبة، خيانة الذاكرة، الزمن الذي لا يعود، والحب الذي يأتي متأخرًا أو لا يأتي أبدًا. إنها رحلة عبر الألم الصامت، والحدود المائعة بين الحياة وما بعدها. كل فصل منها يفتح بابًا نحو سؤال وجودي جديد، وكل شخصية تمرّ تترك أثرًا في الثلج لا يمحوه الوقت بسهولة.
بطلة الرواية آنا لا تبحث عن الخلاص، ولا تطلب المغفرة. هي فقط تحاول أن تفهم لماذا هي بالذات؟ لماذا ترى ما لا يجب أن يُرى؟ هل المعرفة نعمة أم نقمة؟ وما جدوى أن تعرف حين يكون المصير محتومًا؟
هذه الرواية لا تُقرأ بعجالة، بل تُعاش. سطرًا سطرًا، كما يُصغى لترنيمةٍ غامضة في كنيسة مهجورة. إنها مزيج من الضوء الخافت والظلال الطويلة، من الألم الذي يتكلم ببطء، ومن حياةٍ لا تُفهم إلا بعد أن تمرّ كلها.