الرئسيةثقافة وفنون

السينما المغربية في البندقية: من المحلية إلى فضاء الشراكات العالمية

مع اقتراب انطلاق الدورة الحادية والثمانين من مهرجان البندقية السينمائي الدولي، الحدث الأبرز ضمن فعاليات “بينالي البندقية” وأحد أقدم المهرجانات السينمائية في العالم، تبرز مشاركة المغرب كضيف خاص ضمن برنامج “جسر الإنتاج” كإشارة بالغة الدلالة على التحولات التي تشهدها السينما المغربية على مستوى حضورها الدولي وتفاعلها مع الديناميات الجديدة في مجال الإنتاج السينمائي المشترك.

تأتي المشاركة المغربية إلى جانب كل من المملكة المتحدة والشيلي، في مبادرة تسعى إلى إرساء فضاء للتعاون المهني والتبادل الثقافي بين الدول الشريكة، وفتح آفاق جديدة أمام صناع السينما لتوسيع مجالات التمويل والتوزيع.

تندرج هذه الخطوة التي أعلن عنها المركز السينمائي المغربي ضمن مسار استراتيجي يروم تعزيز إشعاع السينما الوطنية خارج الحدود، عبر الانخراط في منصات دولية ذات تأثير عالٍ في صناعة السينما العالمية، و اختيار المغرب كضيف شرف في هذا البرنامج لا يعكس فقط مكانته المتزايدة في الخارطة السينمائية، بل يضعه في موقع تفاعلي حقيقي مع آليات صناعة القرار في المهرجانات الدولية، حيث تتحول المشاركة من مجرد عرض للأفلام إلى حضور مؤثر في حلقات إنتاجها وتوزيعها.

من أبرز المحطات التي سيشارك فيها المغرب في إطار “جسر الإنتاج”، يبرز “سوق تمويل المشاريع”، الذي يشكل فضاءً مخصصاً للأعمال السينمائية التي لا تزال في طور التطوير أو تحتاج إلى دعم مالي لاستكمال الإنتاج، تنمح هذه المنصة فرصاً ملموسة لمخرجي ومنتجي المغرب لعرض مشاريعهم أمام فاعلين دوليين في مجالات التمويل، وتفتح المجال أمام بناء شراكات مستقبلية تعتمد على أسس مهنية مشتركة، كما لا تكمن الأهمية هنا فقط في إمكانية الحصول على التمويل، بل في تعميق الفهم المتبادل بين الفاعلين المغاربة ونظرائهم من دول أخرى، حول شروط الإنتاج المشترك وإكراهاته وإمكاناته.

إلى جانب ذلك، تندرج مشاركة المغرب في “سوق حقوق اقتباس الكتب”، وهو فضاء يسعى إلى تحويل النصوص الأدبية إلى مشاريع سينمائية قابلة للإنتاج، حيث تطرح هذه الفعالية تساؤلات حول قدرة الأدب المغربي على العبور إلى الشاشة، ليس فقط من حيث المضمون، بل أيضاً من حيث القابلية للتحول الدراماتورجي الذي يتطلبه النص البصري، وهي فرصة للفاعلين المغاربة لعرض نصوص أدبية ذات حمولة ثقافية أو جمالية يمكن ترجمتها إلى أعمال سينمائية، ما يعزز التداخل بين الرواية والسينما ويغني النقاش حول أشكال التعبير الفني في السياق المغربي.

أما في ما يخص الأفلام التي قطعت شوطاً في عملية الإنتاج وتوجد في المراحل النهائية، فسيكون للمغرب حضور في برنامج “اللمسة الأخيرة في البندقية”، الذي يركز على دعم ما بعد الإنتاج، يتيح هذا البرنامج للأفلام المشاركة إمكانية الاستفادة من تقييمات مهنية ومرافقة تقنية قد تكون حاسمة في صياغة النسخة النهائية للعمل، ما يجعل هذه المشاركة أكثر من مجرد عرض تقني، بل محطة تقييم وتوجيه وفتح لمسارات التوزيع داخل وخارج أوروبا.

فيما تضيف فعالية “لقاء مع المنصات” بعداً جديداً لهذا الحضور، حيث يتحول المهرجان إلى فضاء للتفاوض مع منصات البث الرقمي التي أصبحت اليوم لاعبة مركزية في صناعة وتوزيع المحتوى السينمائي.

تطرح مشاركة المغرب في هذه الفعالية نقاشاً أوسع حول موقع السينما المغربية في السوق الرقمية، واستعدادها للانخراط في منظومات التوزيع الجديدة التي تغير قواعد العرض وتعيد تشكيل علاقة الجمهور بالمحتوى.

في هذا السياق، لا تغيب المشاريع التفاعلية والمندمجة عن جدول مشاركة المغرب، وهي مشاريع توظف تقنيات رقمية وتفاعلية لتقديم تجارب بصرية جديدة تتجاوز الأشكال التقليدية للفرجة السينمائية، تعكس هذه المشاريع وعياً بأهمية التجريب والابتكار في صناعة السينما، وتساؤلاً ضمنياً حول مدى قابلية الصناعة السينمائية المغربية لتبني هذه الصيغ الفنية الجديدة واستثمارها في سياق عالمي سريع التحول.

حسب المركز السينمائي المغرب تواكب هذه المشاركة مرافقة وفد وازن من المهنيين الذين يمثلون مختلف فروع الصناعة السينمائية الوطنية،ما يعكس الرغبة في تقديم صورة متكاملة عن المنظومة السينمائية المغربية، من الإنتاج إلى التوزيع، ومن الإبداع الفردي إلى العمل المؤسساتي، في أفق بناء علاقات مهنية متينة مع الفاعلين الدوليين.

إن انخراط المغرب في برنامج “جسر الإنتاج” بمهرجان البندقية ليس مجرد مناسبة احتفالية أو تواجد رمزي، بل يمثل اختباراً لمستوى جاهزية الصناعة الوطنية للانخراط في منطق التنافسية الدولية.

كما يشكل هذا الانخراط فرصة لإعادة التفكير في موقع السينما المغربية داخل منظومة الإنتاج العالمي، وقدرتها على تطوير آليات عملها، وإعادة صياغة سردياتها، وتوسيع جمهورها، من خلال أدوات التعاون والتبادل والشراكة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى