
تواصل قضية شركة سامير، المصفاة المغربية للبترول، التأثير بشكل عميق على الاقتصاد الوطني والمجتمع المغربي، وسط حالة من الجمود الحكومي والتصاعد المستمر في معاناة العمال والمستهلكين على حد سواء.
في تصريحه الأخير، الذي توصلت “دابا بريس” بنسخة منه، سلط الحسين اليماني، الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز ورئيس الجبهة الوطنية لإنقاذ المصفاة المغربية للبترول، الضوء على جملة من القضايا التي تؤرق الشارع المغربي وتثير تساؤلات مشروعة حول مصير هذه المؤسسة الاستراتيجية.
يبدأ اليماني بالحديث عن الحكم الأخير الصادر عن المحكمة التجارية بالدار البيضاء، الذي جاء في 21 أبريل 2025، والذي يسمح لشركة سامير بالاستمرار في نشاطها لمدة ثلاثة أشهر إضافية، رغم مرور أكثر من ثمانية أعوام على التصفية القضائية التي بدأت في 2016.
يعكس هذا القرار، في نظر اليماني، إصرار القضاء على منح فرصة جديدة لإنقاذ الشركة، في وقت يعكس الموقف الحكومي ترددًا شديدًا في اتخاذ خطوات حاسمة. فعلى الرغم من التضحيات الكبيرة التي قدمتها سامير في الماضي، وعلى الرغم من الأضرار الفادحة التي خلفها إغلاقها، لا يزال السؤال مطروحًا: إلى متى سيظل مصير الشركة معلقًا في مهب الريح؟
يرى اليماني أن الأزمة التي تمر بها شركة سامير ليست مجرد أزمة اقتصادية لشركة معينة، بل هي مسألة وطنية تتعلق بالأمن الطاقي للمغرب. فالمصفاة التي كانت توفر جزءًا كبيرًا من احتياجات البلاد من الوقود، تتعرض الآن لعملية تفكيك بطيء ومدمر.
وأكد أن تدمير هذا الصرح الصناعي يترتب عليه فقدان أصول مادية ضخمة تقدر بأكثر من 21 مليار درهم، فضلاً عن فقدان العديد من الخبرات البشرية المؤهلة التي لا تقدر بثمن، من مهندسين وتقنيين ومديرين، الذين كانوا يشكلون عماد الصناعة النفطية في المغرب.
إضافة إلى ذلك، لفت اليماني إلى التأثيرات المباشرة التي يعاني منها المواطن المغربي جراء إغلاق شركة سامير، فبالإضافة إلى تدمير الأصول البشرية والمادية، ينعكس ذلك بشكل سلبي على سوق المحروقات في المغرب. يعاني السوق من اختلالات على مستوى المخزون والأسعار والجودة، مما يؤدي إلى تزايد أسعار الوقود، ويضع عبئًا ثقيلًا على المستهلكين المغاربة الذين يدفعون ثمن احتكار السوق من قبل قلة من الشركات الكبرى.
وحسب تقديرات اليماني، فإن الاحتكار الذي يعاني منه السوق المغربي يكبد الاقتصاد الوطني أكثر من 80 مليار درهم من الأرباح الفاحشة التي تذهب إلى جيوب قلة من المتحكمين في السوق، في وقت يبقى فيه المواطن ضحية لهذه الممارسات.
وفي هذا السياق، يؤكد اليماني أن هناك حلولًا عديدة لاستئناف نشاط شركة سامير وضمان استمراريتها، مشيرا إلى إمكانية التفويت للخواص أو الشراكة بين القطاعين العام والخاص، أو حتى التفويت للدولة مقابل مقاصة الديون، وهي حلول قابلة للتنفيذ إذا ما أظهرت الحكومة إرادة سياسية حقيقية لإعادة تشغيل المصفاة، كما يرى أن تسيير الشركة بشكل ذاتي من قبل العمال والخبراء الذين لديهم الخبرة والمعرفة اللازمة يمكن أن يكون خيارًا آخر لاستئناف النشاط الإنتاجي، وهو ما من شأنه أن يساهم في استعادة الاستقرار الاقتصادي والأمني للطاقة في المغرب.
يشدد على أن كل هذه الحلول تتوقف على موقف الحكومة من هذا الملف، فالحكومة، في نظره، لم تقدم بعد رؤية واضحة للمستقبل الطاقي للمغرب ولم تكشف عن مقتضيات الاتفاقية الخاصة بالاستثمار في صناعة تكرير البترول، وهو ما يثير القلق في الأوساط الاقتصادية والنقابية على حد سواء، فالمواطنون، كما يقول اليماني، لا يلمسون أي سياسة وطنية تضمن تأمين الحاجيات الطاقية للمغرب بعيدًا عن التقلبات الخارجية للسوق، مما يجعل البلاد عرضة لأزمات طاقية قد تكون لها تداعيات خطيرة على الاقتصاد الوطني.
اليماني يختتم تصريحه بتوجيه سؤال موجه للحكومة والمجتمع المغربي: إلى متى سنظل هكذا؟ هل ستظل الدولة في موقف المتفرج على تدمير شركة سامير وفقدان السيطرة على أحد أهم أركان الاقتصاد الوطني؟ وهل ستتخذ الحكومة خطوات جادة لتفعيل الحلول المقترحة أم ستظل تتابع الأزمة من بعيد في انتظار حدوث معجزة؟ هذه الأسئلة تبقى مفتوحة، وتزداد إلحاحًا مع مرور الوقت، في وقت يعاني فيه الاقتصاد الوطني من تبعات قرار إغلاق المصفاة وتجميد نشاطها.
الحديث عن سامير ليس مجرد نقاش حول شركة أو قضية اقتصادية، بل هو حديث عن مستقبل الطاقة في المغرب، وعن قدرة الدولة على الحفاظ على سيادتها الطاقية وضمان مصالح مواطنيها في ظل سوق دولية متقلبة.