الرئسيةثقافة وفنون

قصر البحر بآسفي: بين الإهمال والاحتضار الثقافي

تحرير: جيهان مشكور

يعد قصر البحر في مدينة آسفي إحدى أبرز المعالم التاريخية في المغرب، يواجه اليوم خطر الانهيار التام في غياب تدخلات حقيقية من المعنيين، رغم أن هذا الصرح الأثري يروي قصة صراع طويل مع الزمن، و مع مرور الأيام، يقف هذا المعلم في مواجهة مصيره المجهول، ولا يبدو أن هناك تحركات جدية من وزارة الثقافة لإنقاذه. في وقت تسلط فيه الأضواء على أنواع أخرى من الفنون، تغيب معالمنا التاريخية عن دائرة الاهتمام، وكأننا أمام وزارة اختزلت الثقافة في مفاهيم سطحية بعيدة عن جوهرها الحقيقي.

في عام 2022، قامت النائبة البرلمانية نعيمة الفتحاوي بتوجيه سؤال كتابي إلى وزير الشباب والثقافة والتواصل، مطالبة بإيجاد حلول لإنقاذ قصر البحر من التدهور،حيث أوضحت في سؤالها أن قصر البحر، الذي يعود تاريخه إلى القرن السادس عشر، يُعتبر جزءًا أساسيًا من التراث الوطني المغربي، حيث قام البرتغاليون ببنائه في إطار تحصين المدينة ضد الهجمات البحرية، ورغم تصنيفه كمعلم تاريخي منذ عام 1922، وما يحمله من قيمة تاريخية ومعمارية كبيرة، إلا أن حالته اليوم تزداد سوءًا بشكل يومي.

في هذا السياق َ، رد الوزير في فبراير 2022 في جواب رسمي على السؤال البرلماني، مشيرًا إلى أهمية القصر التاريخية والمعمارية، وأكد أن وزارة الثقافة تعمل بالتنسيق مع مختلف القطاعات الأخرى على وضع اتفاقية شراكة تهدف إلى ترميم القصر، لا سيما الجدار البحري المهدد بالانهيار، و رغم هذا الجواب، فإن الواقع اليومي يشير إلى أن القصر يستمر في التدهور، والأمل في إنقاذه يبدو ضئيلاً أمام انشغال الوزارة بأمور أخرى.

لا شك أن هذا الوضع يثير القلق، خصوصًا في ظل تزايد اللامبالاة تجاه تاريخنا وتراثنا الثقافي،و مع كل تساقط لجدار من جدران قصر البحر، يتساقط جزء من ذاكرة المدينة وتاريخها، وتبتعد المعلمة الأثرية أكثر عن متناول الأجيال القادمة.، و في ظل هذه الغفلة، تبدو الوزارة وكأنها غارقة في قضايا ثقافية موازية لا تمس جوهر الثقافة بمفهومها الأوسع، قد يكون من السهل الإعجاب بظواهر فنية مثل غناء محمد رمضان أو حفلات طوطو، لكن لا بد من تساؤل حقيقي: أين الثقافة الحقيقية التي تشمل الفكر والكتابة والموسيقى الرفيعة والفنون التشكيلية؟

إن الاهتمام بالتراث لا يجب أن يقتصر على تكريم الرموز الفنية الحالية، بل يجب أن يشمل أيضًا الحفاظ على المعالم التاريخية التي شكلت هوية هذا الوطن، فكما يعكس قصر البحر تاريخاً مشتركاً بين المغاربة والبرتغاليين، كذلك يعكس التهديد المحدق به تهديدًا للذاكرة الثقافية بأكملها،و مع مرور أكثر من ثلاث سنوات على وعد الوزير بتنسيق الجهود بين القطاعات المعنية، فإن قصر البحر لا يزال في خطر، ولا تزال النوايا في إطار الوعود.

منذ عام 1508، عندما بدأ البرتغاليون بناء قصر البحر على واجهته البحرية، كانت المدينة بحاجة إلى حصن يحميها من الهجمات البحرية، خاصةً وأن موقع آسفي الاستراتيجي جعلها هدفًا لعدة قوى، وقد أثبت القصر دوره الهام في الدفاع عن المدينة حتى بعد طرد البرتغاليين عام 1541.

و اليوم، لا يمكن أن نفصل بين القصر ومدينة آسفي، التي تشتهر بتاريخها العريق وثقافتها الغنية في فنون الخزف والمحيط.
إن هذا المعلم لا يمثل فقط تحفة معمارية، بل هو جزء من الحكاية الثقافية للمدينة وللمغرب بأسره.

و إلى جانب جمال تصميمه، الذي يجمع بين الطراز العسكري البرتغالي والأبراج الضخمة، يتميز قصر البحر بإطلالة ساحرة على المحيط الأطلسي، ومن خلاله، يمكن للزوار التعرف على التاريخ الحربي للمغرب، كما يشهد على فترات من الصراعات الكبرى التي مر بها.
ورغم دوره الثقافي والسياحي البارز في المدينة، فإن تدهوره المستمر دون تدخل ملموس يمثل خسارة فادحة.

إن النائبة الفتحاوي، التي تواصل الضغط على وزارة الثقافة، تمثل صوتًا مهمًا في مسعى الحفاظ على هذه المعالم، وهي تذكر الوزير بأن الأسئلة البرلمانية ليست مجرد استفسارات، بل هي دعوات حقيقية للتفاعل واتخاذ خطوات ملموسة، فالقصر يعكس جزءًا من تاريخنا المادي، و يحتاج إلى أكثر من مجرد وعود؛ إنه بحاجة إلى خطة عمل محكمة وإنقاذ فوري.

إن الثقافة ليست مجرد تراث موسيقي أو فني معاصر، بل هي أبعاد متعددة تشمل جميع جوانب الفكر والفن والجمال. من الأدب إلى العمارة، ومن التاريخ إلى الفنون التشكيلية، الثقافة في جوهرها تتجسد في الحفاظ على موروثنا الحضاري، وهو ما يجب أن تكون وزارة الثقافة أول من يتحمل مسؤولية صونه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى