الرئسيةثقافة وفنونرأي/ كرونيك

فيلم “دبوس الغول” يثير جدلاً حادًا في تونس

تحرير: جيهان مشكور

أثار فيلم “دبوس الغول” التونسي ضجة كبيرة في الساحة الثقافية والفكرية في تونس، و كان السبب الرئيس في هذا الجدل هو مشهد صادم جسّد فيه الممثلان محمد مراد وياسمين الديماسي حوارًا تخيليًا بين آدم وحواء والله، بأسلوب ساخر اعتبره الكثيرون مساسًا بالمقدسات الدينية، ليفتح باب نقاش عميق حول حدود حرية التعبير في الفن وتأثيره على القيم الدينية والثقافية في المجتمع التونسي.

يرتكز فيلم “دبوس الغول” على فكرة نقد الواقع الاجتماعي التونسي، مستخدمًا قصة آدم وحواء كأداة سردية رمزية تسلط الضوء على قضايا معاصرة، إذ يظهر في الفيلم التفاحة، تلك الرمزية الشهيرة للخطيئة البشرية، ليتم استخدامها في سياق ساخر يعكس انتقادات اجتماعية عميقة.

الفيلم هو اقتباس بتصرف من أعمال الأديب التونسي الراحل علي الدوعاجي الذي يُعتبر من الأسماء الأدبية البارزة في تاريخ الأدب التونسي، وقد اشتهر بأعماله الأدبية التي تمزج بين الفكاهة والرمزية والنقد الاجتماعي.

إن هذا التفسير الساخر لأسطورة الخلق يثير تساؤلات واسعة حول ما إذا كان الفيلم يوجه السخرية إلى الواقع الاجتماعي التونسي أم أنه يتجاوز ذلك ليطال المقدسات الدينية نفسها.

عرض الفيلم لأول مرة في مهرجان قرطاج السينمائي عام 2021، حيث نال انتباه النقاد والجمهور على حد سواء، لكن الجدل بشأنه عاد للواجهة مؤخرًا بعد تداول مقاطع من الفيلم عبر منصات التواصل الاجتماعي، فالفيلم لم يكتفِ بإعادة تقديم الأسطورة المعروفة عن بداية البشرية، بل ذهب أبعد من ذلك ليُضفي عليها طابعًا جديدًا يلامس المسائل الدينية،و هو ما أشعل فتيل الجدل بين من اعتبر أن الفيلم تجاوز الخطوط الحمراء ويجب إيقاف عرضه فورًا، بل ومحاسبة القائمين عليه باعتباره إساءة صريحة للمقدسات، وبين من دافع عن حرية التعبير الفني، معتبرًا أن الفيلم ليس هجومًا على الدين بل هو محاولة رمزية لنقد الواقع الاجتماعي التونسي من خلال فنون السينما.

يرى هؤلاء أن حرية التعبير يجب أن تحترم، حتى لو تطرق العمل إلى قضايا حساسة، لأن الفن، في نظرهم، يتطلب مساحة للجرأة والتجريب.

في المقابل، هناك فئة أخرى من المجتمع التونسي ترى أن حرية التعبير لا ينبغي أن تُستخدم  للمساس بالرموز والمعتقدات الدينية، التي تعتبر جزءًا أساسيًا من الهوية الثقافية للمجتمع، فحتى وإن كان العمل يتناول قضايا اجتماعية بحتة، يبقى الدين في نظرهم خطًا أحمر لا يمكن تجاوزه تحت أي ظرف.

وفقًا للعديد من النقاد، فقد كان المخرج الذي اختار هذا الموضوع حساسًا في تقديمه للقصص الدينية من منظور جديد يتجاوز الإطار التقليدي الذي اعتاده الجمهور التونسي والعربي بشكل عام، ورغم أن الفيلم يعتمد على أسس سردية مبتكرة، إلا أنه لم يخلُ من انتقادات لاذعة من بعض التيارات الدينية والسياسية التي اعتبرت أن هذه الطريقة في المعالجة تقترب من الخطوط الحمراء.

هكذا، يجد “دبوس الغول” نفسه في مفترق طرق حاد بين الاعتراف به كعمل فني جريء يُمارس حقه في النقد والرمزية، وبين اعتباره خروجًا عن حدود اللباقة الثقافية والدينية، ويعيد هذا الجدل فتح النقاش العميق حول حدود حرية التعبير في المجتمعات العربية، ومتى تتحول الرمزية الفنية إلى تعدٍّ على المقدس، وهل للدولة  دورا  ينبغي أن تلعبه، باعتبارها ممولة للفيلم، في تنظيم أو تشجيع هذا النوع من الأعمال.

في نهاية المطاف، يظل “دبوس الغول” أكثر من مجرد فيلم قصير، بل مرآة حادة لمجتمع يعيش على إيقاع التوتر بين الموروث والحداثة، وبين الرغبة في الحفاظ على الهوية وبين الحاجة الماسة إلى النقد الجريء والمساءلة الذاتية.

و بينما يظل الجدل مستمرًا، يظل فيلم “دبوس الغول” علامة فارقة في تاريخ السينما التونسية، إذ نجح في جذب الأنظار وإثارة الجدل حول دور الفن وحدوده في علاقة   بالقيم الدينية والاجتماعية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى