الرئسيةرأي/ كرونيك

«العالم بعد غزة»: الغضب اليائس والتواطؤ المخزي

 

أحمد نظيف كاتب رأي في “حبر”

حبر/ « لو لم يكن الملايين من أتباعهم شركاء لهم في الجرم»، بهذا الاقتباس لسيغموند فرويد، يفتتح الكاتب والناقد الثقافي الهندي بانكاج ميشرا، كتابه الجديد «العالم بعد غزة»، تعبيرًا عن الفكرة المركزية التي يحاول مقاربتها في كون «الإبادة الجارية في القطاع الصغير المحاصر، لا تجري على يد إسرائيل بمباركةٍ رسمية من الدول والأنظمة فحسب، ولكن بتواطؤ الصمت العاجز، الذي تمارسه الجماهير في كل مكانٍ من العالم». مشيرًا إلى أن كل يوم أصبح مسمومًا بإدراك أنه بينما كنا نعيش حياتنا، كان مئات الأشخاص العاديين يُقتلون، أو يُجبرون على مشاهدة أطفالهم يُقتلون. ويتضاعف إحساس العجز الجسدي والسياسيّ مع نداءات الناس في غزة، وهم غالبًا كتاب وصحفيون معروفون، يحذرون من أنهم وأحباءهم على وشك القتل، يليها خبر مقتلهم.

كما في كتابه «عصر الغضب: تاريخ الحاضر» (2017)، يعود بانكاج ميشرا إلى جذور الصراع.

وذلك من خلال منظورين. الأول منظور شخصي شديد الذاتية، يروي فيه قصته منذ الطفولة في الهند مع هذا الصراع، والتحولات التي طالته وطالت مواقفه بشأنه في ضوء رحلةٍ طويلةٍ وقاسيةٍ من الوعي.

والثاني منظور موضوعي مقارن، بين المحرقة اليهودية والإبادة الفلسطينية، وكيف أصبحت الأولى غطاءً لتبرير الثانية، وخلاله يعرّج بعمق على مسألة إنهاء الاستعمار، والمكوّن العِرقي في الصراع.

ومع ما يكتسيه هذا العمل من وضوحٍ وشجاعةٍ -في هذا الوقت بالذات من شيوع المكارثية الجديدة، التي تستهدف كل الأصوات المدافعة عن فلسطين- إلا أنه لا يخلو من منظور قاصرٍ للصراع، غير ملبٍ للحاجة إلى العودة إلى جذوره الأعمق من مجرد استعمار شأنه شأن أشكال الاستعمار الأوروبي السابق.

قصة شخصية

تشكل بداية الكتاب سيرةً ذاتية للكاتب، يفصّل فيها القول عن علاقته بفلسطين، وكيف اكتشفها بشكل متأخرٍ. وُلِد ميشرا في جانسي في عائلة قومية هندوسية، تنتمي لطبقة البراهمة الرفيعة في السلم الاجتماعي الهندوسي، لكنها فقدت جزءًا كبيرًا من إقطاعها، نتيجة الإصلاح الزراعي الذي طبقه حزب المؤتمر بعد الاستقلال عن بريطانيا.

الروائي الهندي بانكاج ميشرا

وقد أدت هذه الجذور الاجتماعية والصدمة الطبقية إلى نزعة تطرّف قومي وديني معادٍ لحزب المؤتمر داخل العائلة، شكلت وعي ميشرا صبيًا ويافعًا.

وما شكل وعيه ومعرفته بالصراع العربي الصهيوني، كان مصدره الأساسي جده، الذي كان معجبًا بالدولة اليهودية القومية، بوصفها نموذجًا لأحلامه في توحيد الهند على أساس هندوسي وإنهاء الانفصال الباكستاني المسلم.

ومن أوائل الكتب التي قرأها باللغة الإنجليزية كتاب «تسعون دقيقة في عنتيبي»، وهو سرد للهجوم لتحرير رهائن أسرهم فدائيون فلسطينيون في أوغندا، وكان جده يروي له بشغف كيف تفوقت «إسرائيل» على الجيوش العربية عام 1967؛ وكيف انتزعت مرتفعات الجولان من سوريا في اللحظة الأخيرة.

يقول ميشرا عن تلك البدايات الصهيونية :«لقد نشأت وأنا أتشرّب الصهيونية الموقرة داخل عائلتي من القوميين الهندوس.

فقد نشأتْ كل من الصهيونية والقومية الهندوسية في أواخر القرن التاسع عشر من تجربة الإذلال؛ حيث كان العديد من أيديولوجييهم يتوقون إلى التغلب على ما اعتبروه ضعفًا.

وبالنسبة للقوميين الهندوس في السبعينيات، فإن إعجابهم بإسرائيل كان جزءًا من معارضتهم لحزب المؤتمر الحاكم المؤيد للفلسطينيين آنذاك.

أتذكر أنني كنت أعلّق صورة لموشيه ديان، رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي ووزير الدفاع خلال حرب الأيام الستة، في غرفة نومي.

وحتى بعد فترة طويلة من تلاشي شغفي الطفولي بالقوة الصهيونية، لم أتوقف عن رؤية إسرائيل بالطريقة التي بدأ قادتها منذ ستينيات القرن العشرين في تقديمها عنها، باعتبارها فداءً لضحايا المحرقة، وضمانة غير قابلة للكسر ضد تكرارها.

كانت الصهيونية بالنسبة لنا قصة حب تاريخية حزينة، تُتوّج فيها رحلةٌ هائلة، حافلة بالمآسي والنكسات، بحدثٍ شبه إعجازي: تأسيس إسرائيل».

لكن هذا الإعجاب تلاشى شيئًا فشيئًا مع نضج ميشرا وبداية انحيازه يسارًا منذ سنوات الجامعة. حينذاك بدأ يدرك محنة ضحايا «إسرائيل».

كان هناك فلسطينيون في مدن هندية صغيرة، معظمهم طلاب في كليات الهندسة والطب، وكثيرًا ما كان يُناقش تهجيرهم في الأوساط اليسارية التي انضم إليها في الجامعة. ولكن حتى في ذلك الوقت، كانت فلسطين تُمثل له نزاعًا مأساويًا لم يُحل، تمامًا كما كانت كشمير، بين أطرافٍ عجزت عن إدراك المنطق.

وقد ظل ميشرا مترددًا بين عمق البرمجة التي تعرض لها صغيرًا في وسطه العائلي بشأن عدالة وجود «إسرائيل»، وبين وعيه بحقيقة المشروع الاستعماري ضد الشعب الفلسطيني، وقد وصف ذلك بالقول: «رغم قناعتي بعدالة القضية الفلسطينية، إلا أنني وجدتُ صعوبة في مقاومة المنطق الصهيوني القائل إن اليهود لا يستطيعون البقاء في أراضٍ غير يهودية، ويجب أن تكون لهم دولة خاصة بهم.

حتى إنني اعتقدتُ أنه من الظلم أن تكون إسرائيل وحدها من بين جميع دول العالم بحاجة إلى تبرير حقها في الوجود». لكن ذلك التردد سينتهي تمامًا في عام 2007 وينقلب انحيازًا لفلسطين. فقد جعلته رحلته إلى الضفة الغربية، وجهًا لوجه مع وحشية الاحتلال الإسرائيلي وعبثيته يكتشف أن «إسرائيل» ليست متورطة في مجرد «نزاع» مع جيرانها، بل هي آخر مشروع استعماري غربي في العالم، مدعومًا بأسلحة متطورة وحماسة وشعور بالذنب لدى العديد من البيض ذوي النفوذ في الغرب. كما أدرك إلى أي مدى يُخفي ادعاء «إسرائيل» تمثيل ضحايا الهولوكوست الفظائع التي ارتكبتها بحق الشعب الفلسطيني.

وقد شكلت تلك الرحلة نقطة تحولٍ في إدراك ميشرا للصراع، مشيرًا إلى أنه قرأ إدوارد سعيد، إلا أنه ظل مصدومًا عندما اكتشف بنفسه كيف يُخفي أنصار «إسرائيل» رفيعو المستوى في الغرب بخبث أيديولوجية البقاء للأقوى التي أعادت إنتاجها جميع الحكومات الإسرائيلية. وكيف مرّ ذلك دون تدقيق يُذكر في الصحافة -التي تزعم الرصانة- في العالم الغربي. حيث يُتَّهم كل من يُلفت الانتباه إلى مشهد التزام واشنطن الأعمى بـ«إسرائيل» بمعاداة السامية وتجاهل دروس المحرقة.

وكيف يضمن الوعي المشوّه بالمحرقة أنه كلما انتفض ضحايا «إسرائيل» ضد مضطهديهم بشراسة متوقعة، يُدانون باعتبارهم نازيين عازمين على ارتكاب محرقة أخرى :«ما زلتُ مصدومًا -منذ تلك الرحلة- من المعنى المُظلم الذي استخلصته إسرائيل من المحرقة، ثم رسّخته في آلية قمع. بدا أن عمليات القتل المُستهدفة للفلسطينيين، ونقاط التفتيش، وهدم المنازل، وسرقة الأراضي، والاعتقالات التعسفية وغير المحددة، والتعذيب المُنتشر في السجون، تُعلن عن أخلاق وطنية لا ترحم: أن البشرية مُقسمة إلى أقوياء وضعفاء، وبالتالي يجب على أولئك الذين كانوا أو يُتوقع أن يكونوا ضحايا أن يسحقوا أعداءهم المُفترضين استباقيًا».

لكن القصة الشخصية ليست هي الدافع الذي جعل بانكاج ميشرا يكتب هذا الكتاب، بقدر ما كان الهاجس الأخلاقي أمام هول الإبادة المذاعة على الهواء هو ما حركه للمخاطرة بأن يكون هدفًا سهلًا لدعاية اللوبي الإسرائيلي الإعلامي والثقافي. فالدافع الرئيسي وراء تأليف الكتاب -بحسب ميشرا- هو «وضع حدٍّ لهذه الوحدة المروعة التي شعر بها، مع كثيرين غيره، بسبب الخراب الناجم عن صمت أصحاب النفوذ والسياسيين الأقوياء في الديمقراطيات الغربية والصحفيين والمثقفين، إزاء الإبادة الجماعية المستمرة في غزة، أو الأسوأ من ذلك، دعمها بشدة». قاصدًا أن يكون الكتاب «سببًا في إعادة النظر، ليس فقط في بعض سرديات تاريخ الشرق الأوسط أو تاريخ الصراع في فلسطين، بل في تاريخ أوسع للتفوق الغربي، وإنهاء الاستعمار».

الغضب اليائس

في مستهل الكتاب يروي بانكاج ميشرا قصة انتفاضة خاطفةٍ قادها بعض الشباب اليهود في غيتو وارسو ببولندا في أبريل 1943، عندما جمعوا السلاح وقاوموا مضطهديهم النازيين. كان المقاتلون يسعون لاستعادة بعض الكرامة: «كان هدفنا ألا ندعهم يذبحوننا عندما يحين دورنا.

كان الأمر مجرد اختيار لطريقة الموت»، يقول قائدهم مارييك إيدلمان. لكن بعد أسابيع يائسة، سُحقت المقاومة، وقُتل معظم المقاومين، وانتحر بعض من بقي حيًا في أحد الأقبية بينما كان النازيون يضخون الغاز داخله. نجح قليلون في الهروب عبر أنابيب الصرف الصحي. ثم أحرق الجنود الألمان الغيتو قطعة قطعة، مستخدمين قاذفات اللهب لإخراج الناجين.

بعد سنواتٍ، استذكر الشاعر البولندي تشيسلاف ميلوش صرخات الغيتو التي سمعها في ليلة هادئة في ضواحي وارسو :«تلك الصرخات أصابتنا بالقشعريرة. صرخات آلاف الأشخاص يُذبحون. انتقلت عبر المساحات الصامتة للمدينة بين وهج أحمر للنيران، تحت نجوم لا مبالية، نحو صمت الحدائق الودود، حيث كانت النباتات تتنفس بصعوبةٍ، وكان الهواء عبقًا، وشعر الإنسان بأنه من الجيد أن يكون حيًا. كان هناك شيء قاسٍ بشكل خاص في هذا السلام الليلي.

لم نستطع أن ننظر إلى بعضنا البعض في العين». بعد عقودٍ، سيشعر ذلك الشاعر البولندي بالتواطؤ المخزي مع الوحشية المفرطة خلال إقامته في كاليفورنيا بينما كانت القوات الأمريكية تقصف وتقتل مئات الآلاف من الفيتناميين، فيكتب قائلًا :«إذا كنا قادرين على التعاطف وفي نفس الوقت عاجزين، فإننا نعيش في حالة من الغضب اليائس».

تدور أطروحة كتاب بانكاج ميشرا حول هذا «الغضب اليائس والشعور بالتواطؤ المخزي»، الذي أنتجه عاملان.

الأول هو أن الإبادة هذه المرة، وخلافًا للمحرقة اليهودية، مذاعة على الهواء مباشرةً.

فنحن نرى الموت بلا وسائط. خلف جدران غيتو وارسو، كان مارييك إيدلمان «خائفًا جدًا من أن لا أحد في العالم سيلاحظ أي شيء، ولا رسالة عنا ستخرج أبدًا» لم يكن هذا هو الحال في غزة، حيث تنبأ الضحايا بموتهم قبل ساعات من إعدامهم، بينما بث قاتلوهم أفعالهم بلا اكتراث.

ومع ذلك، جرى التعتيم يوميًا على التصفية المباشرة لغزة، إن لم تنكرها أدوات الهيمنة العسكرية والثقافية للغرب؛ من قادة الدول الذين هاجموا المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، إلى محرري نيويورك تايمز، الذين أوصوا موظفيهم في مذكرة داخلية بتجنب مصطلحات مثل مخيمات اللاجئين والأراضي المحتلة والتطهير العرقي».

والعامل الثاني هو حجم الدعم الذي تتلقاه «إسرائيل» من العالم الغربي، وهو دعم لم يحظ النظام النازي ولا حتى بالقليل منه. من خلال هذا المنظور المزدوج يحلل ميشرا كيف قامت «إسرائيل» بخصخصة تجربة المحرقة لتوظيفها في الإبادة، وكيف أجبرت الغرب من ورائها على الرضوخ لهذا الفهم الضيق للتجربة قائلًا :«كان واضحًا منذ البداية أن القيادة الإسرائيلية الأكثر تطرفًا في التاريخ لن تتردد في استغلال شعور شامل بالانتهاك والفقدان والرعب.

ادعى قادة إسرائيل حق الدفاع عن النفس ضد حماس، ولكن كما لاحظ المؤرخ الكبير للمحرقة، أومير بارتوف، في غشت 2024، سعوا منذ البداية لجعل قطاع غزة بأكمله غير صالح للسكن، وإضعاف سكانه إلى درجة أنهم إما سيموتون أو سيبحثون عن جميع الخيارات الممكنة للفرار من الأرض. وهكذا، لشهور بعد السابع من أكتوبر، شاهد الملايين هجومًا غير مسبوق على غزة، حيث كان ضحاياه، كما قالت المحامية الأيرلندية بليني ني غرالايغ، ممثلة جنوب إفريقيا في محكمة العدل الدولية في لاهاي، يبثون فناءهم بأنفسهم مباشرةً، على أمل يائس -حتى الآن دون جدوى- أن يفعل العالم شيئًا».

يركز الكاتب على حشد تجارب عدد كبير ممّن عاشوا المحرقة، وكذلك مؤرخين وكتاب إسرائيليين، أدركوا متأخرين أن «المحرقة قد حُرّفت ذكراها لتمكين القتل الجماعي» ومنح «إسرائيل» الحصانة. مشيرًا إلى أن «دائرة متزايدة الاتساع» من الناس في جميع أنحاء العالم «تتهم إسرائيل بأنها نظام استعماري استيطاني قاسٍ، ونظام عنصري يهودي يدعمه سياسيون غربيون من اليمين المتطرف ورفاقهم الليبراليين».

وفي مستوى ثانٍ يحلل الكاتب المسألة العرقية أو اللون، حيث يربط عضويًا بين الدعم الغربي الواسع لـ«إسرائيل» وتمثلها في الوعي الغربي السياسي كامتداد غربي أبيض في مواجهة عربٍ ملونين أقل شأنًا.

يعتقد بانكاج ميشرا أن ما يجري في غزة قد مزق الزمن بين ما قبل الإبادة وما بعدها، وأن «العالم بعد غزة» سيكون غائر الجروح، ليس فقط بالنسبة للضحايا، ولكن للأغلبية التي شاهدت الإبادة وذخيرتها الوحيدة «الغضب اليائس والشعور بالتواطؤ المخزي».

أولئك الذين دفعهم شعور الذنب بسبب العجز إلى التحديق في وجه جو بايدن بحثًا عن أي علامة رحمة، أو أي إشارة إلى نهاية إراقة الدماء، فوجدوا صلابة مخيفة، لم تخترقها إلا ابتسامة عصبية عندما تفوه بأكاذيب إسرائيلية بأن الفلسطينيين قطعوا رؤوس أطفال يهود. تحطمت الآمال العادلة التي أثارها هذا القرار أو ذاك من الأمم المتحدة، أو النداءات اليائسة للمنظمات الإنسانية، أو توجيهات القضاة في لاهاي، أو استبدال بايدن في اللحظة الأخيرة كمرشح رئاسي.

بحلول أواخر 2024 شعر الكثيرون ممن يعيشون بعيدًا عن ساحات القتل في غزة بأنهم جُرّوا عبر مشهد ملحمي من البؤس والفشل والألم والإرهاق.

فقد ألحقت «إسرائيل»، بدعم من الغرب، هذه المحنة النفسية بملايين الأشخاص لشهور، كانوا فيها شهودًا غير طوعيين لشر سياسي، وسمحوا لأنفسهم بين الحين والآخر بالتفكير على نحو أناني بأنه من الجيد أن يكونوا أحياء، ثم سمعوا صرخات أم تشاهد ابنتها تحترق حتى الموت في مدرسة قصفتها «إسرائيل».

لكن الحرب ستتراجع في النهاية إلى الماضي، وقد يطحن الزمن كومة الفظائع الهائلة. «إلا أن علامات الكارثة ستبقى في غزة لعقود: في الجثث المصابة، والأطفال اليتامى، وأنقاض المدن، والبشر المشردين، وفي الوجود الواسع والوعي بالفقدان الجماعي. وأولئك الذين شاهدوا من بعيد عاجزين قتل وتشويه عشرات الآلاف على شريط ساحلي ضيق، وشهدوا أيضًا تصفيق أو لامبالاة الأقوياء، سيعيشون بجرح داخلي وصدمة لن تزول لسنوات».

رغم الشجاعة التي ينطوي عليها نشر الكتاب في هذا الوقت بالذات في الأوساط الغربية، والجسارة التي تحلى بها بانكاج ميشرا في رواية تحولاته الذاتية والفكرية بشأن قضية فلسطين، إلا أن الكتاب ظل قاصرًا عن إدراك الجذور الرئيسية للصراع، والتي لا تعود لعام 1967، كما توحي قراءة الكاتب، بل للنكبة، التي استبدلت شعبًا بشعبٍ بمباركةٍ من النظام الدولي الناشئ في أعقاب الحرب العالمية الثانية.

فضلًا عن كون السابع من أكتوبر لم يكن مجرد زفرة يائس، كما هو حال مارييك إيدلمان ورفاقه في غيتو وارسو عام 1943، وإنما محطةً في صيرورة تحررية فلسطينية، بدأت منذ اللحظات الأولى لمشروع التقسيم عام 1947، ولم تتوقف منذ ذلك التاريخ، ولا يبدو أنها في وارد التوقف حتى تصيب هدفها.
المصدر: حبر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى