الرئسيةسياسة

الريع السياسي معرقل فعلي للتنمية

السلطة والمال: فشل الاستراتيجيات التنموية في ظل تحالف السلطة والمصالح الخاصة

زكية الدريوش ودعم تفريخ الرخويات: المال العام في خدمة الولاء السياسي؟

تصريح حزبي.. بمال عمومي

تحرير: جيهان مشكور

في مشهد سياسي مثقل بالتناقضات، فجّرت تصريحات زكية الدريوش، كاتبة الدولة المكلفة بالصيد البحري وعضوة المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار، موجة جدل واسع بعدما كشفت عن تقديم دعم مالي ضخم بلغت قيمته ملياراً و100 مليون سنتيم، مُنح لأحد زملائها في الحزب، النائب البرلماني امبارك حمية، في إطار مشروع لتربية الرخويات بمدينة الداخلة.

جاء تصريح الدريوش خلال لقاء حزبي بالداخلة يوم الجمعة 2 ماي 2025، ولم يكن مجرد إشارة عابرة، بل كان بمثابة اعتراف صريح بتقاطع المال العام مع المصالح الحزبية. فقد بدا واضحاً أن الدعم المالي لم يُعلن في سياق مؤسساتي رسمي، بل كُشف عنه في إطار حزبي، وهو ما يطرح علامات استفهام سياسية وأخلاقية حول ازدواجية الأدوار.

↳ اقرأ أيضًا: دعم بمليار و100 مليون يثير الجدل في الداخلة

سؤال برلماني يكشف حساسية الملف

بالتزامن مع انتشار الفيديو الموثق للتصريح، بادر النائب مصطفى الإبراهيمي، عن حزب العدالة والتنمية، بتوجيه سؤال كتابي إلى كاتبة الدولة، يسائل فيه الإطار القانوني لهذا الدعم، عدد المستفيدين، المعايير المعتمدة، ومدى احترام مبدأ تكافؤ الفرص.

في السياق ذاته، تساءل فريق حزب التقدم والاشتراكية عن العلاقة الملتبسة بين المال العام والعمل الحزبي، محذرًا من توظيف الاستراتيجيات التنموية كأدوات انتخابية مقنّعة.

الداخلة: قطب اقتصادي أم منصة للريع السياسي؟

لطالما قُدّمت الداخلة كنموذج تنموي ناجح في الأقاليم الجنوبية. فمنذ إطلاق النموذج التنموي الخاص بالصحراء سنة 2016، خُصصت استثمارات ضخمة لقطاع الصيد البحري وتربية الأحياء المائية. غير أن ما كشفته الدريوش يُلقي بظلال ثقيلة على مصداقية هذه البرامج، ويعيد طرح سؤال “من يستفيد فعلاً من الثروة البحرية؟”

ورغم أن الدريوش عبرت عن فخرها بتحول الداخلة إلى قطب بحري يوفر أزيد من 35 ألف منصب شغل، فإن منح دعم بمبالغ خيالية لفرد واحد محسوب على الحزب الحاكم، يكشف خللاً في فلسفة الإنصاف وتوسيع الاستفادة.

من المخطط الأزرق إلى الجيل الأخضر: أين الخلل؟

تُعد الاستراتيجيات الحكومية الكبرى مثل “المخطط الأخضر” و”المخطط الأزرق” أدوات محورية في التنمية القطاعية منذ 2008. لكن تقارير المجلس الأعلى للحسابات، وتصريحات خبراء اقتصاد بحري، كشفت عن استفادة فئة محدودة من هذه البرامج، وغياب آليات فعالة للمحاسبة.

يُضاف إلى ذلك أن المبادرات الجديدة كـ”الجيل الأخضر” لم تنجح في الوصول إلى الفئات المستضعفة، بسبب البيروقراطية وغياب المرافقة التقنية. وهو ما يجعل الريع يتجدد بأدوات جديدة.
وقد كشف المجلس الأعلى للحسابات في تقاريره عن اختلالات متعددة في برامج التنمية القطاعية، بما فيها مشاريع المخطط الأخضر والمخطط الأزرق.

المحاباة تقوّض الثقة في المؤسسات

ترى أطراف سياسية ومهنية أن ما جرى في الداخلة لا يعكس فقط خللاً موضعياً، بل يُجسد منطقاً أعمق يُكرس “زواج المال بالسلطة”. فالفاعلون السياسيون الذين يحتكرون القرار، يستخدمون نفوذهم لتمرير مشاريع باسم التنمية، لكنها في الجوهر تخدم مصالح ضيقة.

هذا الوضع يُهدد مبدأ تكافؤ الفرص، ويُضعف ثقة المواطن في نجاعة المؤسسات، ويفتح الباب أمام ثقافة الامتيازات بدل الكفاءة.

وقد وجهت عدة فرق برلمانية أسئلة كتابية للحكومة، كما هو موثق على الموقع الرسمي لمجلس النواب المغربي.
أطلقت وزارة الفلاحة والصيد البحري منذ عام 2008 عدة استراتيجيات تنموية كان يفترض أن تساهم في تقليص الفوارق وتحقيق العدالة المجالية، لكنها أثارت جدلاً كبيراً حول العدالة في الاستفادة.

إلى أين؟

في ظل تفاعل المعارضة ومهنيي القطاع، يبدو أن ملف الدعم الممنوح لتفريخ الرخويات سيتحول إلى نقطة نقاش ساخنة داخل البرلمان والإعلام. وهو اختبار حقيقي لمدى التزام الحكومة بالشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة.

ويبقى السؤال الأهم: هل ستتوقف الحكومة عن استخدام التنمية كغطاء للولاء الحزبي؟ أم أن ما حدث في الداخلة ليس سوى نموذج مصغر لمنظومة أوسع تُعيد إنتاج الريع تحت غطاء الاستراتيجيات الوطنية؟

أطلقت وزارة الفلاحة والصيد البحري منذ عام 2008 عدة استراتيجيات تنموية كان يفترض أن تساهم في تقليص الفوارق وتحقيق العدالة المجالية، لكنها أثارت جدلاً كبيراً حول العدالة في الاستفادة.

في ظل تفاعل المعارضة ومهنيي القطاع، يبدو أن ملف الدعم الممنوح لتفريخ الرخويات سيتحول إلى نقطة نقاش ساخنة داخل البرلمان والإعلام. وهو اختبار حقيقي لمدى التزام الحكومة بالشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة.
وقد وجهت عدة فرق برلمانية أسئلة كتابية للحكومة، كما هو موثق على الموقع الرسمي لمجلس النواب المغربي.

ويبقى السؤال الأهم: هل ستتوقف الحكومة عن استخدام التنمية كغطاء للولاء الحزبي؟ أم أن ما حدث في الداخلة ليس سوى نموذج مصغر لمنظومة أوسع تُعيد إنتاج الريع تحت غطاء الاستراتيجيات الوطنية؟

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى