
في سياق اقتصادي يطغى عليه الترقب والحذر، تسجل سوق الشغل بالمغرب إشارات إيجابية خلال الفصل الأول من سنة 2025، وفق ما أفادت به المندوبية السامية للتخطيط.
فبعد سنة اتسمت بخسارة مؤلمة لنحو 80 ألف منصب شغل، تمكن الاقتصاد الوطني من تحقيق قفزة بإحداث 282 ألف منصب خلال عام واحد، مما يعكس دينامية متجددة في السوق، وإن كانت هذه الدينامية موزعة بشكل غير متكافئ بين المجالين الحضري والقروي، وكذا بين أشكال التشغيل المؤدى عنه وغير المؤدى عنه.
تكشف المعطيات المفصلة التي أوردتها المندوبية أن أغلب هذه المناصب تم خلقها في المناطق الحضرية، التي استفادت من إضافة 285 ألف منصب شغل، في حين سجل العالم القروي فقدان 3 آلاف منصب، ما يثير مجددا مسألة الفوارق المجالية ومدى قدرة السياسات العمومية على توفير فرص العمل المتكافئة في جميع جهات البلاد، فيما تتعززرهذه المفارقة أكثر حين النظر إلى تفاصيل التشغيل حسب طبيعته، حيث تم إحداث 319 ألف منصب مؤدى عنه على الصعيد الوطني، منها 299 ألف في المدن و21 ألفا فقط في القرى، بينما عرف الشغل غير المؤدى عنه تقهقرا بلغ 37 ألف منصب، موزعة بين فقدان 13 ألف منصب في الوسط الحضري و24 ألفا في القروي، مما يؤكد تراجع الاعتماد على الأنشطة غير المهيكلة أو ذات الطابع العائلي خاصة في العالم القروي.
تزايد في عدد السكان…والنمو
على مستوى مؤشرات النشاط، سجل معدل النشاط نموا طفيفا قدره 0,3 نقطة، لينتقل من 42,6% إلى 42,9%، نتيجة تزايد عدد السكان في سن النشاط بنسبة 1,4%، بالتوازي مع ارتفاع عدد النشيطين بنسبة 2%، ويبدو أن هذا التطور كان مدفوعا أساسا بالتحسن الحاصل في المناطق الحضرية، حيث ارتفع معدل النشاط بـ0,4 نقطة ليستقر في حدود 41,5%، في حين ظل مستقرا في العالم القروي عند 45,6%، يثر هذا الاستقرار تساؤلات حول مردودية السياسات التنموية في القرى وقدرتها على إدماج الفئات النشيطة في دورة الإنتاج.
في الاتجاه نفسه، سجل معدل الشغل تحسنا إجماليا قدره 0,5 نقطة، ليستقر عند 37,2% على الصعيد الوطني.
اللافت في هذا التحسن أنه كان أكثر بروزا في المدن، حيث ارتفع بمعدل 0,8 نقطة، في حين سجل تراجعا خفيفا في العالم القروي بناقص 0,2 نقطة، ما يعمق الفجوة القائمة بين المجالين، ومن زاوية النوع الاجتماعي، أظهر معدل الشغل نموا متفاوتا بين الجنسين، حيث ارتفع بـ0,6 نقطة لدى الرجال ليبلغ 60,1%، مقابل ارتفاع محدود بـ0,2 نقطة فقط لدى النساء ليستقر عند 14,8%، ما يسلط الضوء مجددا على التفاوت المستمر في ولوج النساء لسوق الشغل، رغم كل التوجهات والخطابات التي تروج لمقاربة النوع والتمكين الاقتصادي للنساء.
في ضوء هذه الأرقام، يبدو أن سوق الشغل في المغرب يسير بخطى حذرة نحو الانتعاش، مدفوعا أساسا بزخم في المناطق الحضرية وارتفاع التشغيل المهيكل، إلا أن هذا التحسن لا يخلو من تحديات بنيوية، أبرزها استمرار الهشاشة في القرى، وتفاقم التفاوتات بين الجنسين، وهي تحديات تقتضي مراجعة عميقة لسياسات التشغيل، بما يضمن عدالة مجالية واجتماعية في توزيع فرص العمل.