
لماذا انسحبت شلبي من “السلم والثعبان 2”
لم تكد تمر ساعات قليلة على بدء تصوير أولى مشاهد فيلم “السلم والثعبان 2” ، حتى أعلن فريق العمل عن انسحاب مفاجئ للنجمة منة شلبي ممثلة مصرية من بطولة الفيلم، في خطوة أثارت الكثير من التساؤلات داخل الأوساط الفنية والإعلامية، خاصة أن المشروع كان يحظى بمتابعة واسعة بوصفه استكمالًا لفيلم شكّل علامة بارزة في ذاكرة السينما المصرية بداية الألفية الجديدة.
فيما أكدت المصادر القريبة من كواليس العمل أن سبب الانسحاب يعود إلى تعثر في التفاهم بين الفنانة والشركة المنتجة، لعدم التوصل إلى اتفاق نهائي بخصوص بعض التفاصيل المتعلقة بدورها، إلى جانب خلاف واضح حول المقابل المادي، ورغم محاولات احتواء الأمر، إلا أن منة شلبي فضّلت الانسحاب المبكر على القبول بشروط تراها مجحفة وغير منصفة، في موقف يعكس ما يبدو أنه أصبح توجّهًا أكثر صرامة لدى الفنانة في التعامل مع المشاريع الفنية.
منة شلبي والدتها هي الممثلة زيزي مصطفى، ليست جديدة على اتخاذ مواقف مشابهة، فهي واحدة من أبرز نجمات جيلها، وممثلة تمتلك رصيدًا نوعيًا من الأعمال السينمائية والدرامية التي نالت احترام الجمهور والنقاد على حد سواء، وقد عبرت في أكثر من مناسبة عن رؤيتها الخاصة للعمل الفني، مؤكدة أنها لا تقيس النجاح بعدد التريندات، بل بمدى تأثير العمل على الجمهور وصدق التفاعل معه.
وفي لقاء إذاعي حديث ضمن برنامج “أرقام مع النجوم” على إذاعة “إنرجي 92.1″، شددت على أن الأجر عنصر مهم في اختياراتها الفنية، وصرّحت بأن “الأجر يفرق معايا يكون متقدّم، لكن مش لازم يكون الأعلى”، موضحة أن السوق تحكمه أرقام ومعايير يجب احترامها.
هذا التصريح لا يمكن فصله عن انسحابها من الفيلم، خاصة في ظل ما يعيشه سوق الإنتاج السينمائي المصري من تحولات وضغوط اقتصادية باتت تُفرز تفاوتًا واضحًا في الأجور وتقدير النجوم، فقد أصبحت بعض شركات الإنتاج تميل إلى ترويج أسماء بعينها وتسويق الأعمال عبر حملات إلكترونية مدفوعة، وهو ما انتقدته شلبي بوضوح حين لمّحت إلى شراء “الترند” بالمال، في إشارة إلى غياب التقييم الحقيقي للفن لصالح الظواهر المصطنعة.
ورغم أن انسحابها قد يُعد خسارة للعمل، خاصة وأن الفيلم يضم أسماء لامعة مثل عمرو يوسف، وأسماء جلال، وظافر العابدين، وفدوى عابد، وحاتم صلاح، تحت إدارة المخرج والمؤلف طارق العريان، فإن هذه الخطوة تضع الشركة المنتجة أمام مسؤولية إعادة النظر في آليات التفاوض وتقدير المواهب، وتسلّط الضوء على قضية مركزية: هل يملك الفنان الحق في الدفاع عن قيمته المهنية وسط سوق يتحول تدريجيًا إلى مضمار تسويق بدل أن يكون فضاءً للإبداع؟
في العمق، تعكس هذه الواقعة اختلالات أوسع في بنية الإنتاج الفني بمصر، حيث أصبحت العلاقة بين الفنانين والمنتجين محكومة في أحيان كثيرة بعلاقات غير متوازنة، يغيب فيها التقدير العادل مقابل االموهبة والخبرة والاسم، وبينما تحاول بعض الشركات تقليص التكلفة تحت ضغط المنافسة والمنصات الرقمية، يتم أحيانًا تجاهل القيمة المعنوية التي يمثلها النجم داخل العمل، ما يدفعه إلى اتخاذ قرارات تبدو قاسية، لكنها في الواقع تعبير عن وعي مهني حقيقي بحدود التنازل وحدود الكرامة.
منة شلبي، التي صنعت لنفسها مكانة فريدة بفضل اختياراتها الدقيقة وأدائها الصادق، تعيد بهذا القرار التأكيد على أن الفن لا ينفصل عن شروط العدالة المهنية، والواقع أن كثيرًا من نجمات ونجوم الصف الأول يشاركونها هذا الموقف، لكنهم قد لا يعبّرون عنه بصراحة مماثلة، وما حدث هنا ليس فقط انسحابًا من فيلم، بل لحظة كاشفة عن واقع متقلب تعيشه السينما المصرية، حيث يغدو الأجر مؤشراً على مدى احترام الفنان، لا مجرد رقم تفاوضي في عقد.
وفي انتظار من سيخلف منة شلبي في بطولة الفيلم، يظل السؤال الأهم: هل تتعلم شركات الإنتاج من هذه الرسائل؟ أم سيستمر تجاهل الصوت المهني الذي يطالب بالاحترام والشفافية والتقدير، مقابل موهبة لا يمكن تعويضها؟