الرئسيةرأي/ كرونيك

حين يمتد الفساد لكل روافع التقدم…من ينهض بالمجتمع؟

عندما يمس الفساد الأستاذ الجامعي، ورجل الأمن، وبعض القضاة والصحافيين … اعلم أن المجتمع يقترب من الحضيض، ليست هذه مجرد جملة عاطفية أو نبوءة تشاؤمية، بل وصف دقيق لانهيار البنية الأساسية التي يستند إليها أي كيان إنساني يسعى للاستقرار والتقدم.

الاستاذ: صانع الوعي وبوابة الأمل

حين يفسد الاستاذ، لا تعود المدارس ولا  الجامعات منارة للمعرفة والتحرر، بل تتحول إلى مصنع للشهادات الفارغة، وموقع لتكريس الزبونية والمحاباة، ذلك الذي يفترض أن يكون قدوة ونموذج، يصبح جزء من منظومة تفرغ التعليم من مضمونه، وتزرع الإحباط في نفوس الطلبة، خصوصًا أبناء الفئات الهشة.

رجل الأمن: الحامي الذي ينقلب إلى خطر

أما رجل الأمن، الذي من المفترض أن يكون حامي الأرواح والممتلكات، فحين ينخره الفساد، تتحول السلطة التي يحملها إلى أداة قمع، وإذلال، وابتزاز، وتضيع الثقة بين المواطن والدولة، لأن من يُفترض به فرض القانون، يتحول إلى خارقه.

القاضي: ميزان العدالة حين يختل

وإذا ما مس الفساد الرشوة والاختلاس  بعض رجال القضاء، فذاك أخطر ما يمكن أن يصيب دولة أو مجتمع، لأن العدالة هي الملجأ الأخير للضعفاء، فإذا فسد القاضي، انقلبت المعادلة يُظلم البريء، ويُفلت المذنب، ويُغلق باب الامل في الانصاف، و عرّف البنك الدولي الفساد بأنه شكل من أشكال خيانة الأمانة أو الجريمة.

الصحافي: ضمير المجتمع حين يخترق

أما الصحافي، فهو العين التي تراقب، والصوت الذي ينذر، والدور الذي لا يعوض في كشف الحقائق والدفاع عن المصلحة العامة، لكن حين يخترق هذا الدور، ويتحول الصحافي إلى بوق للدعاية، أو إلى أداة للابتزاز، أو إلى شاهد زور يتغاضى عن الفساد  مقابل امتيازات أو مصالح ضيقة، فإن المجتمع يفقد واحدة من أهم آليات تصحيح المسار حيث أن إعلام بلا نزاهة، يعني رأيا عاما مضللا، وعدالة معطلة، وفساد ينمو في الظلام

من يصنع الحصانة الاخلاقية؟

المقلق في الأمر أن هؤلاء ليسوا مجرد موظفين، بل صانعو القيم، والمستقبل، ومفاتيح الثقة، فسادهم لا يقاس فقط بمقدار المال المنهوب أو الملفات المزورة، بل بحجم الخيانة لثقة المجتمع، وتلويثهم لمواقع يفترض أن تكون مصونة ومحمية.

المعركة الحقيقية: بناء الإنسان قبل القانون

مكافحة الفساد ” مصطلح ” لا تبدأ من نصوص قانونية صارمة فقط، بل من بناء منظومة اخلاقية راسخة، تبدأ من التعليم، تغرس في المؤسسات، وتراقب من قبل المجتمع المدني القوي، ووسائل الإعلام المستقلة، والقضاء النزيه.

حين تصبح القيم سلعة، والمبادئ مجرد واجهة، لا نحتاج لتفسير سبب ارتفاع البطالة أو انهيار الثقة في السياسة أو تصاعد العنف… لأن البنية الأخلاقية انهارت.

إن لم نعد الاعتبار للأستاذ، ونحمي نزاهة الأمن، ونحصن القضاء، ونحرر الصحافة، فانهزام مجتمعنا في معركة بناء المستقبل محسوم منذ بداية الشوط الأول .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى