الرئسيةسياسة

13 مليار دولار… استثمار أم إعادة إنتاج للوهم؟

تحرير: جيهان مشكور

في المغرب، لا شيء يُبهج أكثر من إعلان استثمار ضخم، وليس أي استثمار: نحن نتحدث عن “13 مليار دولار أمريكي” ، ما يعادل 13000 مليار سنتيم مغربي. رقم قد يصيب المواطن البسيط بالدوار، ويُغري المستثمر الأجنبي بإمكانية الربح السريع، لكنه يُثير لدى العارفين أسئلة مشروعة عن المصير، الجدوى، والقدرة على التنفيذ، الاقتصاد المغربي هو خدماتي بامتياز.

الصفقة التي وُصفت بأنها الأضخم في تاريخ البلاد، جُمعت خيوطها بين مجموعة “ناريڤا” المغربية، الذراع الطاقي لعائلة أخنوش، ومجموعة “طاقة” الإماراتية، بمساهمة من “صندوق محمد السادس للاستثمار” ، والهدف؟ إحداث “ثورة” في قطاعات الطاقة النظيفة، تحلية مياه البحر، والنقل الطاقي بين الجهات، لكن هل نحن أمام مشروع قابل للتحقيق، أم مجرد رقم فلكي جديد في سجل الخطط غير المكتملة؟

الوعود بالهكتولتر… والنتائج بالقطرة

المشروع يقترح تحلية” 900 مليون متر مكعب من مياه البحر سنويًا”، مع نقل “800 مليون متر مكعب” نحو الوسط عبر ما يسمى بـ”الطريق السيار المائي”، وهو مشروع موازٍ تم تقديمه كأحد حلول التصحر والجفاف في السنوات الأخيرة.
لكن تجارب المغرب السابقة في مجال تحلية المياه لا توحي بالتفاؤل، محطة “أكادير” مثلاً، عرفت تأخيرات متكررة في الانطلاقة، رغم كونها أقل طموحًا من المشروع الحالي، كما أن مشاريع تحلية أخرى في “الدار البيضاء” و”سيدي إفني” ما تزال تراوح مكانها، بسبب صعوبات تمويلية، وغياب الصيانة المستدامة.
فهل نملك حقًا القدرة اللوجستيكية والتقنية لتدبير هذه الكميات الضخمة؟ أم أن الفاتورة ستُحمّل كالعادة للمواطن عبر ارتفاع أسعار فواتير الماء والكهرباء؟

طاقة خضراء… بلون رمادي

الشق الطاقي في المشروع يبدو بدوره طموحًا للغاية: استرجاع وتشغيل محطة “تدارت” الغازية (400 ميغاواط)، مع توسعتها بمركب جديد يعمل بالدورة المركبة (Combined Cycle) بطاقة 1100 ميغاواط، ثم إنشاء خط كهربائي عالي الجهد (HVDC) بطاقة 3000 ميغاواط يربط الجنوب بالوسط، إلى جانب مشاريع طاقة متجددة بطاقة 1200 ميغاواط.

لكن، مرة أخرى، تعود بنا الذاكرة إلى تجربة “نور ورزازات” ، المشروع الشمسي الذي بُني على أحلام الاستقلال الطاقي، وانتهى بتقارير رسمية تُشير إلى تكاليف باهظة، وكفاءة أقل من التوقعات، وتكنولوجيا مكلفة لا تساير تطورات السوق العالمي.

الطاقة النظيفة ليست مجرد “ألواح شمسية” وصور درون، بل تحتاج إلى حكامة صارمة، وتمويل مستدام، وشفافية في الصفقات العمومية، وهي أمور ما زال المغرب يعاني من غيابها، كما أشار مرارًا “المجلس الأعلى للحسابات”، و”الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة” .

25 ألف وظيفة؟ من سيراقب؟

واحدة من أكثر النقاط إثارة في الإعلان هي خلق “25.000 فرصة شغل، 10.000 منها دائمة”، لكننا لم نُزود بأي دراسة مستقلة تشرح لنا طبيعة هذه المناصب، توزيعها المجالي، المدة الزمنية اللازمة لتوفيرها، أو معايير ولوجها.

هذا الغموض يُعيد إلى الأذهان تجارب سابقة وعدت بمناصب شغل ضخمة، كما حصل مع مشروع مدينة محمد السادس “طنجة تيك” أو المنطقة الحرة في *الناظور غرب المتوسط، ثم اختفت الوعود مع الوقت، لتحل محلها تقارير صامتة، أو تحقيقات لا تكتمل.

في السياق المغربي، كثيرًا ما تُستعمل لغة الأرقام كوسيلة للتأثير الإعلامي، أكثر من كونها أداة للتخطيط الحقيقي.

غياب الشفافية والرقابة البرلمانية

رغم أهمية المشروع ووزنه المالي والسيادي، إلا أن الإعلان عنه جاء “خارج أي نقاش عمومي أو برلماني” ، لم يُعرض دفتر التحملات، ولا تمت دعوة الصحافة لطرح الأسئلة على المسؤولين، كما لم تُصدر الجهات الموقعة أي التزامات واضحة في ما يخص آجال التنفيذ، الضمانات القانونية، أو سبل الرقابة المستقلة.

والأخطر أن صندوق محمد السادس للاستثمار، وهو مؤسسة عمومية من المفترض أن تخدم المصلحة الوطنية الشاملة، دخل شريكًا دون أن نعرف ما إذا كان سيتقاسم الأرباح والمخاطر بشكل متوازن، أو إذا كان سيمول المشروع دون ضمانات للشفافية والنجاعة.

أمل مشروع أم استثمار بلا ذاكرة؟

في المحصلة، لسنا أمام مشروع بسيط، بل أمام خطوة من المفترض أن تُعيد تشكيل ملامح البنية الطاقية والمائية للمغرب لعقود قادمة، لكن هذه الخطوة تعاني من “عطب منهجي واضح: غياب التقييم، غياب الشفافية، وغياب النقاش العمومي.

ومع وجود لاعب اقتصادي كبير كـ”ناريڤا”، ذات الارتباط السياسي المباشر، وشركة إماراتية ذات نفوذ إقليمي، وصندوق سيادي مغربي حديث التأسيس، تزداد الحاجة إلى ضمانات صارمة تحمي المال العام من مغامرات غير محسوبة.

إن التاريخ التنموي المغربي الحديث ملئ بالمشاريع التي بدأت بتصفيق حار، وانتهت بصمت ثقيل. وحتى لا يُضاف هذا المشروع إلى القائمة، نحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى مساءلة، ومتابعة، وتقييم مستقل… لا مجرد حفل توقيع وبلاغ صحفي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى