الرئسيةرأي/ كرونيكسياسة

هروبا من تردي عام..أخنوش وأوهام الـ60 جامعة

تحرير: جيهان مشكور

بينما كانت البلاد تغلي بفضائح الشهادات العليا التي تُمنح بـ”المعريفة” و”الشكارة”، خرج علينا رئيس الحكومة عزيز أخنوش ” رجل أعمال وسياسي“بتصريح أقل ما يمكن أن يُقال عنه إنه فصل جديد من مسلسل “الهروب إلى الأمام”، قالها بكل ثقة، كمن اكتشف ترياق التنمية: “لا يعقل أن تكون فبلادنا 12 جامعة منها ابن زهر التي تضم 200 ألف طالب، بينما بعض المدن الأمريكية فيها ما بين 20 و80 جامعة.”

أهلاً وسهلاً بك في المغرب يا رئيس الحكومة، حيث “الجامعة” لم تعد فضاءً للعلم والمعرفة، بل تحولت إلى خط إنتاج جماعي لشهادات تائهة وخريجين ينتظرون دورهم في طابور البطالة.. فهل نحن فعلاً بحاجة إلى 60 جامعة؟ أم إلى جامعة واحدة فقط… تحترم نفسها وتحترم طلابها وتحترم الشهادات التي توزعها كالمنشورات؟

أخنوش يريد أن “يكثر” الجامعات، ظناً منه أن الحل في الكم، بينما الواقع يصرخ بأن المشكل في “الكيف” ، في “المضمون” ، في “المعقول” ,
فماذا سنفعل بـ60 جامعة إذا كانت شهاداتها لا تسمن ولا تغني من جوع؟ هل نحتاج إلى توسيع رقعة “الوهم الأكاديمي” ؟ أم إلى إعادة بناء منظومة تعليمية من الصفر، منظومة لا تُباع فيها الدبلومات في السوق السوداء ولا تُهدى فيها الماسترات على أرصفة العلاقات الزبونية؟

لنأخذ مثالاً بسيطاً:

جامعة ابن زهر التي تحدث عنها اخنوش كأنها تاج جامعات المملكة.

هذه الجامعة حسب تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين لسنة 2023 تضم أزيد من 200 ألف طالب، ولكن بموارد لا تكفي حتى لـ50 ألف، فيها معدل أستاذ واحد لكل 118 طالب،

أكثر من 80% من البنايات مهترئة، البنية المعلوماتية؟ تكاد تكون منعدمة، منصة التعليم عن بعد؟ أقرب إلى صفحة فيسبوك مهجورة منها إلى نظام جامعي حديث.

أما جامعة محمد الخامس بالرباط، “العاصمة العلمية” المفترضة، فحسب دراسة مرصد التعليم العالي لسنة 2022، فإن 65% من المختبرات لا تتوفر على معدات أساسية للتجارب، و40% من الأساتذة الجامعيين يشتكون من غياب ظروف العمل المناسبة، و90% من الطلبة يعبرون عن “عدم رضاهم التام” عن تكوينهم الجامعي، أرقام صادمة، ولكنها ليست أكثر صدمة من حديث أخنوش عن “نقص عدد الجامعات” وكأننا نعيش في السويد.

يا أخنوش ، دعنا نكون صريحين:

ي المشكل ماشي فعدد الجامعات، المشكل فكون الجامعة المغربية اليوم تنتج أعداداً مهولة من الخريجين، ولكنها لا تنتج أملاً.

تُخرج الآلاف، ولكنها لا تفتح لهم أبواباً غير أبواب التذمر، اليأس، وربما الهجرة.

نسبة البطالة بين خريجي الجامعات المغربية تصل إلى حوالي 30% حسب تقرير المندوبية السامية للتخطيط لعام 2024، والعدد في تزايد مستمر.

أكثر من 40% من الطلبة لا يحصلون على تكوين عملي مناسب يربطهم بسوق الشغل، بحسب تقرير صندوق النقد الدولي عن التعليم في المغرب، في حين تصل نسبة الهدر الجامعي في المغرب إلى 45%،هذا يعني أن نصف الطلبة يغادرون الجامعات دون الحصول على شهادة، ومن يحصل عليها يجد نفسه عاطلاً عن العمل.

نعم، أمريكا فيها عشرات الجامعات في كل مدينة، ولكن أمريكا فيها أيضاً معايير، جودة، مختبرات، نظام تقييم صارم، وربط حقيقي بين التكوين وسوق الشغل.

أما نحن، فعندنا جامعات من ورق، ومقررات من العصر الحجري، ومختبرات لا تميز بين أنبوب اختبار وآلة القهوة.

هل تعلم يا أخنوش أن أغلب الطلبة لا يحلمون اليوم بماستر أو دكتوراه، بل يحلمون فقط بأن تكون شهاداتهم “محترمة” ؟ أن لا يُقال لهم في مقابلة العمل: “آه، شهادة من جامعة مغربية؟ سير الله يعاونك…”.

قبل أن نحلم بـ60 جامعة، فلنسأل أنفسنا أولاً:

* هل هذه الـ12 جامعة التي لدينا قادرة على تخريج جيل يفتح باب المستقبل لا باب الحيطان؟
* هل شهاداتنا تعكس مستوى معرفي؟ أم تعكس مستوى مادي؟
* هل نعطي الطالب تكويناً عملياً يجعله مؤهلاً؟ أم نمنحه رخصة بطالة فاخرة ممهورة بختم الجامعة؟

صحيح أن الاكتظاظ يقتل التعليم، وصحيح أن الحاجة إلى جامعات جديدة أمر واقعي، لكن الأصح من كل هذا، أن “الجامعة لا تُقاس بعدد مبانيها بل بعدد أحلام طلبتها التي تتحقق.”

لكن الإصلاح لا يبدأ من تصريحات في الهواء، بل من مواجهة حقيقية مع الواقع:
واقع فساد التكوين، وانعدام الشفافية، وسوء الربط بين الجامعة وسوق الشغل.
نحن لا نريد أن نتباهى بعدد الماسترات، بل نريد أن نضمن أن حامليها لم يحصلوا عليها في “المقاهي” أو عبر تحويل بنكي.
نريد أن يكون الأستاذ الجامعي محترماً، والطالب متحمساً، والشهادة ذات مصداقية.
نريد جامعة تواكب الثورة الرقمية، لا جامعة ما زالت تستخدم الطباشير في 2025.

ألا تستحق الجامعة المغربية أن نسائلها اليوم قبل أن نضاعفها؟

ألا يجدر بنا أن نسأل:

هل هي فعلاً مؤسسات تعليمية أم ورشات لقتل الطموح؟

هل نظامها التكويني يواكب سوق الشغل؟ أم يُنتج كائنات جامعية غير صالحة للاستهلاك المهني؟
هل الشهادة المغربية ما زالت تحظى باحترام دولي؟ أم أصبحت مجرد وثيقة عبور نحو مكاتب “الأنابيك” و”الكويزينات”؟

على سبيل الخلاصة؟

سيدي رئيس الحكومة،
لا نريد 60 جامعة… نريد فقط جامعة واحدة تحترم ذكاءنا، لا تستهين بعرقنا، ولا تضحك علينا في عز الأزمة بشعارات “أمريكية”.
راه المشكل ماشي فالعدد، راه المشكل فالمعنى… بـ60 جامعة فاسدة، غادي ننتج 600 ألف عاطل ومليار شهادة بلا قيمة.
أما بـ6 جامعات نزيهة، حقيقية، حديثة، مؤطرة ومفتوحة على سوق الشغل، غادي ننتج كفاءات تبني الوطن، ماشي تهاجرو.
أما أن نواصل إنتاج البطالة بالجملة تحت مسمى “التعليم العالي”، فالأفضل أن نكتفي بجامعة واحدة ونحسنها…
على الأقل لن تَقِل مصانع الأحلام المعطوبة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى