زلزال الدين الأمريكي: تحذيرات الكساد و مخاوف الأسواق
23/05/2025
0
في تطور جديد يعكس تصاعد المخاوف بشأن استقرار أكبر اقتصاد في العالم، شهدت أسواق الأسهم العالمية اضطرابات واضحة بعد صدور تحذيرات بشأن وضعية الديون الأمريكية _ الولايات المتحدة_، وهي القضية التي يبدو أنها ستبقى محور اهتمام المستثمرين وصنّاع القرار المالي خلال الأسابيع القادمة، لما له من تبعات مباشرة على الاستقرار الاقتصادي العالمي
البداية كانت يوم الجمعة الماضي، حينما أقدمت وكالة التصنيف الائتماني “موديز” على خفض تصنيف الديون السيادية الأمريكية بعد إغلاق التداولات الأسبوعية، وعلى الرغم من أن رد الفعل الفوري في الأسواق بدا هادئًا نسبيًا، فإن التوتر الكامن لم يلبث أن تفجر مع بداية الأسبوع الجاري، مدفوعًا بمجموعة من المؤشرات المقلقة.
أحد أبرز هذه المؤشرات تمثل في صعود عوائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشر سنوات، والتي بلغت 4.61% يوم الأربعاء، وهو أعلى مستوى لها منذ 13 فبراير.
هذا الصعود لم يكن مجرد انعكاس لحالة القلق العامة، بل جاء أيضًا كرد فعل على الأداء الضعيف لمزاد سندات الخزانة الأخير، الأمر الذي فسره محللون على أنه إشارة إلى تراجع شهية المستثمرين تجاه أدوات الدين الأمريكية، وهو ما يضرب في الصميم مصداقية النظام المالي الأمريكي، و يعكس توجّهات السوق نحو مزيد من التشاؤم.
تحذيرات كيوساكي: “النهاية هنا”
الصوت الأعلى والأكثر إثارة للجدل وسط هذه الأزمة جاء من الكاتب ورجل الأعمال الأمريكي “روبرت كيوساكي”، صاحب كتاب “الأب الغني، الأب الفقير” ، الذي حذر بشدة من تداعيات الوضع الحالي، معتبرًا أن الأزمة قد دخلت مرحلتها الحاسمة.
روبرت كيوساكي
في منشور مثير للجدل على منصة “X”، كتب كيوساكي: “النهاية هنا”، لما وصفه بغياب الطلب في مزاد السندات، حيث قال كيوساكي إن “الاحتياطي الفيدرالي عقد مزادًا للسندات الأمريكية ولم يحضر أحد”، قبل أن يتهم الفيدرالي بشراء ما قيمته 50 مليار دولار من هذه السندات بأموال “مزيفة”، في إشارة إلى التيسير الكمي وطباعة الأموال بدون غطاء حقيقي.
واعتبر كيوساكي أن هذا السلوك يمثل نهاية اللعبة، معلنًا أن “الحفلة قد انتهت”، وأن الاقتصاد الأمريكي يوشك على الدخول في مرحلة تضخم مفرط قد يطيح بالملايين ماليًا، ورغم النبرة الكارثية، لم يخلُ تحليله من بارقة أمل، حيث دعا من يعرفون كيفية التكيف مع الأزمات إلى استغلال الوضع لصالحهم.
رهانات الذهب والبيتكوين في زمن اللايقين
ضمن رؤيته المستقبلية، توقع كيوساكي أن تصل أسعار الذهب إلى 25,000 دولار، والفضة إلى 70 دولارًا، في حين قد يتراوح سعر البيتكوين _ عملة معماةلامركزية_ما بين 500,000 إلى مليون دولار، في حال تحقق السيناريو الأسوأ للاقتصاد الأمريكي، ورغم أن هذه التقديرات قد تبدو مبالغًا فيها، فإنها تعكس عمق القلق السائد في بعض الأوساط الاستثمارية.
بين الحقيقة والمبالغة
رغم الضجة التي أثارتها تصريحات كيوساكي، فإن من المهم الإشارة إلى عدم وجود تأكيد رسمي بأن الاحتياطي الفيدرالي اشترى بالفعل سندات بقيمة 50 مليار دولار في المزاد الأخير، ومع ذلك، فإن رسالته تلقى صدى متزايدًا في الأوساط المالية، خاصة في ظل تزايد القلق من تنامي العجز والدين العام، وتآكل الثقة الدولية في الدولار كعملة احتياطية أولى في العالم.
فالدين الأمريكي، الذي تخطى 34 تريليون دولار، لا يؤرق فقط المحللين والمراقبين المحليين، بل يشكل مصدر قلق دائم للشركاء الاقتصاديين والدائنين الدوليين، خاصة الصين واليابان، فكلما تراجعت الثقة، تضاءلت قدرة الحكومة الأمريكية على تمويل نفسها بشروط مريحة، وهو ما قد يفتح الباب أمام ضغوط تضخمية ومعدلات فائدة مرتفعة تهدد بتباطؤ اقتصادي عالمي.
انعكاسات واسعة واحتمالات مضطربة
في هذا السياق المضطرب، أصبح المستثمرون أكثر حذرًا تجاه ضخ أموال جديدة في أسواق الأسهم، خصوصًا مع الارتفاع الكبير في تقييمات الأسهم منذ بداية عام 2024، وهذا ما دفع العديد من المنصات المالية إلى اقتراح استراتيجيات بديلة، منها الاعتماد على محافظ استثمارية مدروسة تتنوع بين أسهم داو جونز، ستاندرد آند بورز، شركات التكنولوجيا، والشركات المتوسطة، هذه المحافظ الاستثمارية المتخصصة تدمج بين أسهم هذه الشركات و بين أدوات التحوط مثل المعادن والعملات الرقمية، لتكشف عن استراتيجيات لبناء الثروة، حتى في وجه العواصف المالية.
من بين هذه المبادرات، يبرز نموذج ProPicks، الذي تمكن بفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي من تحديد أسهم ارتفعت بنسبة 150% خلال هذا العام، إضافة إلى أسهم أخرى قفزت بنسبة تتراوح بين 25% و30%، ما يعكس بوضوح إمكانات النمو رغم التحديات.
أزمة ثقة لا أزمة مال
لا يتعلق المشهد الراهن بأرقام ومؤشرات مالية فقط، بل بأزمة ثقة في المؤسسات والنظام المالي العالمي القائم على الدولار، وبين تحذيرات الخبراء وتحليلات الأسواق، يظل مستقبل الدين الأمريكي مرهونًا بقدرة واشنطن على ترميم تلك الثقة وإعادة صياغة توازناتها الاقتصادية قبل أن تنفجر الفقاعة.
وفي ظل هذه الخلفية المعقدة، يصبح السؤال الأهم: هل نحن على أعتاب ركود اقتصادي كبير، أم أمام فرصة تاريخية لإعادة ضبط المشهد المالي العالمي؟