
هل رأس تمثال الحرية استلهم من التراث الأمازيغي المغربي؟
قام النحات الفرنسي فريدريك أوغست بارتولدي_مدينة كولمار_، صاحب أشهر منحوتة في العالم “تمثال الحرية” بنيويورك _عمل فني نحتي قامت فرنسا بإهدائه إلى الولايات المتحدة الأمريكية_ ، برحلة إلى جنوب المغرب،سنة 1871 وتحديدًا إلى منطقة سوس.
وقد أثارت هذه الزيارة لاحقا اهتمام عدد من المؤرخين والباحثين، الذين طرحوا فرضية مثيرة، هل استوحى بارتولدي ملامح تمثاله الشهير من الثقافة الأمازيغية التي صادفها في المغرب؟
الاستناد إلى مجموعة من الملاحظات البصرية والتاريخية
هذه الفرضية، وإن لم تُحسم تاريخيا، تستند إلى مجموعة من الملاحظات البصرية والتاريخية، إذ يشير باحثون إلى تشابه لافت بين التاج الذي يعلو رأس تمثال الحرية والزينة الرأسية المعدنية التي كانت ترتديها النساء الأمازيغيات في تلك المنطقة، والتي تتميز بأشواك معدنية تُحاكي من حيث الشكل إشعاعات التاج النحاسي في التمثال الأميركي.
بارتولدي ورحلة في ظرف تاريخي خاص
الرحلة المغربية لبارتولدي جاءت في ظرف تاريخي خاص، بعد هزيمة فرنسا في حربها ضد بروسيا (1870-1871)، حيث قرر الفنان أن يبتعد مؤقتًا عن أوروبا ويستكشف مناطق أخرى، من بينها المغرب، وتشير بعض الروايات إلى أن انبهاره بالمجوهرات والزينة النسائية الأمازيغية ربما ترك أثرا في مخيلته الفنية.
لكن في مقابل هذا الطرح، يؤكد مؤرخون آخرون أن فكرة تمثال الحرية تعود إلى مشروع سابق اقترحه بارتولدي على الخديوي إسماعيل في مصر، وكان يتمثل في إنشاء تمثال ضخم لامرأة تمثّل “مصر تجلب النور إلى آسيا”، كان سيُقام عند مدخل قناة السويس. هذا المشروع لم يرَ النور، لكنه تحوّل لاحقًا إلى ما أصبح “تمثال الحرية”.
تمثال الحرية يظل واحدًا من أبرز الأمثلة على الفن الذي يتجاوز الحدود
وللاشارة فإنه إلى اليوم، لا توجد وثائق رسمية أو رسائل شخصية لبارتولدي توثّق تأثره المباشر بالثقافة الأمازيغية، غير أن الفرضية تظل مفتوحة، وتثير تساؤلات مشروعة حول التداخلات الثقافية في الفن، وحول أثر الرحلات الاستكشافية في تشكيل التصورات الجمالية لدى فناني القرن التاسع عشر.
وفي الاخير سواء أكان مصدر الإلهام مصريا، أو أمازيغيا، أو مزيجا من تجارب متعددة، فإن “تمثال الحرية” يظل واحدًا من أبرز الأمثلة على الفن الذي يتجاوز الحدود، وينقل رسائل رمزية مركبة، قد تحمل في طياتها أكثر مما يظهر على السطح.