الرئسيةسياسة

تفكيك الخزينة العامة: قانون جديد يربك وزارة المالية 

في خطوة تشريعية اعتبرت مفاجئة، صادق البرلمان المغربي _ مجلس النواب _في 13 ماي الماضي على مشروع قانون جديد يتعلق بجبايات الجماعات الترابية، يحمل في طياته تحولاً جذرياً في التوازن المؤسساتي داخل وزارة الاقتصاد والمالية.

هذا القانون، الذي تقدم به وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، يقلب المعادلة التقليدية لتوزيع الاختصاصات بين الخزينة العامة للمملكة والمديرية العامة للضرائب، ويضع مصير قرابة 6000 موظف على المحك.

سحب ما بين 70 و80 في المائة من اختصاصات الخزينة العامة

أحدث هذا القانون تحولا يتمثل في سحب ما بين 70 و80 في المائة من اختصاصات الخزينة العامة، وتحويلها إلى المديرية العامة للضرائب، وذلك تحت مبدأ «من يصدر الجباية هو من يتولى تحصيلها»، وهو ما يعني أن إدارة الضرائب ستكون الجهة الوحيدة المسؤولة عن تدبير وتحصيل كل من الرسم المهني، ورسم السكن، ورسم الخدمات الجماعية، بعدما كانت هذه المهام موزعة بين الإدارتين.

هذه الخطوة، ورغم مصادقة البرلمان عليها في غرفتيه، لم تُنشر بعد في الجريدة الرسمية، وهو ما يثير تساؤلات حول الخلفيات السياسية والإدارية الكامنة وراء التأجيل.

بنسودة في قلب العاصفة

لم يقف نور الدين بنسودة، الخازن العام للمملكة، موقف المتفرج أمام هذا التغيير الجذري، بل أبدى اعتراضاً واضحاً على فكرة التخلي عن موظفيه، الذين وجدوا أنفسهم فجأة في وضع إداري غير مستقر، دون أي رؤية واضحة حول مستقبلهم المهني، بنسودة، الذي شغل في وقت سابق منصب المدير العام للضرائب بين عامي 1999 و2010، رفض نقل موظفي الخزينة إلى المديرية العامة للضرائب، وهو موقف يعكس إصراره على الحفاظ على وحدة الخزينة بوصفها جهازاً تقنياً متماسكاً.

تنفيذ القانون الجديد وتحويل الصلاحيات

فيما كشفت مصادر مطلعة أن اجتماعاً تقنياً مطولاً انعقد على ثلاث مراحل داخل وزارة الاقتصاد والمالية خلال الأسبوع الماضي، وضم مسؤولين من الخزينة العامة، والمديرية العامة للضرائب، ومديرية الشؤون الإدارية والعامة، وقد ناقش الاجتماع تفاصيل تنفيذ القانون الجديد وتحويل الصلاحيات، غير أن المحادثات كشفت عن غياب الجاهزية لدى إدارة الضرائب، التي طالبت بتأجيل نشر القانون في الجريدة الرسمية حتى يتم تهيئة هيكل تنظيمي قادر على استيعاب المهام الجديدة، خاصة في ظل النقص الحاد في الموارد البشرية.

“تهريب” الموظفين أم تدبير مرحلي؟

خازن المملكة محمد بنسودة

في محاولة لتدبير الوضع، صدرت تعليمات إلى الخزنة الجهويين بتنفيذ حركة انتقالية للأطر العاملة من القباضات نحو وكالات بنكية ومصالح النفقات بالخزائن الإقليمية، إجراءٌ وصفه أحد المصادر بـ”تهريب الموظفين”، كما اثار التساؤل حول مدى الحاجة إلى هذه التنقلات، خصوصاً في سياق الرقمنة المتقدمة للإدارة المغربية، حيث يمكن تبادل الوثائق إلكترونياً دون الحاجة لإحداث مرافق إدارية جديدة.

وعلى الرغم من تشبث بنسودة بموظفيه الرسميين، أبدت الخزينة العامة مرونة إزاء إمكانية التخلي عن 2700 موظف من الملحقين من الجماعات الترابية، بشرط أن يتم ذلك عبر قنوات قانونية، باعتبار أن استرجاع هؤلاء الموظفين يظل من اختصاص المجالس الجماعية التي ألحقتهم بالخزينة.

صمت وزارة الاقتصاد والمالية… والأسئلة المؤجلة*َ

اللافت في هذا الجدل أن كبار مسؤولي وزارة الاقتصاد والمالية، بمن فيهم الوزير المعني، لم يدلوا بأي موقف رسمي يُوضّح رؤيتهم لهذا التغيير البنيوي، أو يُفسّر صمتهم عن تداعياته الوظيفية والاجتماعية على آلاف الموظفين.
هذا الغياب يُفسَّر لدى البعض بأنه نوع من التواطؤ الصامت مع مشروع القانون، أو على الأقل إقرار ضمني بفشله في تدبير مرحلة انتقالية سلسة بين الإدارتين.

في مقابل ذلك، يبدو أن وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت واثق من اختياراته، مستنداً إلى تقييم تم إنجازه منذ سنة 2021، ويُظهر حسب قوله محدودية التنسيق بين الجهات المكلفة بإصدار الجبايات وتلك المسؤولة عن تحصيلها، ما يدفع نحو توحيد هذه المهام تحت مظلة إدارة واحدة.

خلفيات أعمق وصراعات مؤسساتية

التوتر الظاهر في هذا الملف لا يمكن قراءته فقط من زاوية إدارية، بل يحمل في طياته مؤشرات عن صراع أعمق بين مؤسستين مركزيتين في النظام المالي المغربي، هما الخزينة العامة والمديرية العامة للضرائب، وبينما تسعى هذه الأخيرة إلى بسط هيمنتها الكاملة على النظام الجبائي الوطني، تتمسك الخزينة بدورها التاريخي كمراقب ومسير مالي للدولة، وترى في القانون الجديد تهديداً مباشراً لوظيفتها السيادية.

ووسط هذا الشد والجذب، يبقى الموظفون الستة آلاف هم الحلقة الأضعف في المعادلة، عالقين بين مؤسسات لا تزال تبحث عن توافق تنظيمي وتوزيع عقلاني للمهام.
و إلى أن يُنشر القانون في الجريدة الرسمية، وتُحسم الصيغة النهائية لتوزيع الاختصاصات، ستبقى وزارة المالية تعيش على وقع هذا الانقسام الداخلي، في انتظار تسوية قد تتأخر… لكنها لن تكون بلا ثمن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى