الرئسيةمنوعات

مهرجان موازين في مرمى الانتقادات

لا تزال أصداء الإعلان عن أسعار تذاكر الدورة الجديدة من مهرجان “موازين إيقاعات العالم”_ تأسس سنة 2001، تتردد بقوة في الفضاء الرقمي المغربي، فبينما تستعد الرباط لاحتضان أحد أكبر التظاهرات الموسيقية في إفريقيا والعالم العربي، تفجّر الجدل حول أسعار التذاكر كاشفاً عن فجوة عميقة بين ما يروج له المهرجان من انفتاح ثقافي وشعبية، وما يشعر به الجمهور من تهميش وإقصاء اقتصادي.

تذاكر بـ2800 درهم: حين تصبح الموسيقى امتيازاً طبقياً

تراوحت أسعار تذاكر بعض الحفلات، ولا سيما تلك المقامة على منصة “السويسي”، بين “300 و2800 درهم”، رقمٌ أثار موجة انتقادات لاذعة، خاصة مع إعلان مشاركة مغني الراب الأمريكي “ليل بيبي” إلى جانب المغربي “طه فحصي” المعروف بـ”طوطو”، الحفل المشترك بين النجمين حُددت تذاكره بين “1200 و2800 درهم” ، وهو ما اعتبره كثيرون “إقصاءً مقنّعاً” للجمهور المغربي، خصوصاً فئة الشباب من ذوي الدخل المحدود والذي يمثل أكبر فئة من جمهور طوطو .

أصوات من داخل الوسط الثقافي: “انزلاق نحو التسليع بدل التثقيف”

في هذا السياق يقول “ياسين العلوي الإسماعيلي”، الباحث في السياسات الثقافية، إن “ما يحدث يُترجم فهماً خاطئاً لفكرة الثقافة للجميع.. مهرجان موازين، بصفته تظاهرة ممولة جزئياً من مؤسسات عمومية، مطالب بإعادة التفكير في مقاربته لجمهوره، خاصة بعد التغييرات الاجتماعية والاقتصادية التي عصفت بالمغرب في السنوات الأخيرة”.
و من جهته يرى الباحث في السياسات الثقافية يوسف الكوهن أن” هذا النوع من التسعير يعكس توجهًا متناميًا نحو تسليع الثقافة، وحرمان شرائح واسعة من حقها في الولوج إلى الفن والترفيه” ، ويضيف:” موازين، كما قُدّم عند انطلاقه سنة 2001، كان يطمح إلى دمقرطة الولوج إلى الموسيقى العالمية، لكن يبدو أن هذه الرؤية بدأت تنزلق نحو نخبوية مقلقة.”

ويتابع الكوهن أن المغرب يعيش اليوم لحظة دقيقة من حيث العلاقة بين الثقافة والمجتمع، وأن فرض أسعار مرتفعة على جمهور يعاني من التضخم وارتفاع الأسعار يُعدّ قرارًا غير متوازن، يمكن أن يُفقد المهرجان شرعيته الرمزية.

الذاكرة القريبة: ما الذي تغيّر؟

منذ انطلاقته سنة 2001، ظل مهرجان “موازين” يرفع شعار “الموسيقى للجميع”، حيث وفّر عبر منصاته المجانية في أحياء الرباط وسلا فرصة للجمهور الواسع للاستمتاع بعروض عالمية، في وقت كانت فيه أسعار تذاكر المنصات المدفوعة في المتناول، غالباً لا تتعدى “100 إلى 300 درهم” .

لكن منحى الأسعار بدأ في التصاعد منذ دورة 2016، ليصل اليوم إلى مستويات وُصفت بـ”الاستفزازية”، ففي حين لا يتجاوز الحد الأدنى للأجور في المغرب 3000 درهم شهرياً، فإن تذكرة حفل واحد على منصة “السويسي” قد تستهلك ما يقارب 90% من دخل مواطن بسيط، ما يطرح تساؤلات عن العدالة الثقافية وجدوى دعم تظاهرات لا تخاطب إلا نخبة ضيقة.

فوفقًا لتقارير رسمية صادرة عن جمعية “مغرب الثقافات”، المنظمة للمهرجان، فإن عدد الحضور في دورة 2019 وهي آخر دورة قبل جائحة كورونا تجاوز 2.7 مليون متفرج، 90% منهم ولجوا الحفلات المجانية، في حين ظل حضور المنصات المؤدى عنها محدودًا.

ليبقى الفرق بين جمهور المنصات المجانية والمؤدى عنها يطرح إشكالًا هيكليًا: هل يسعى المهرجان إلى الانفتاح الحقيقي على المجتمع، أم يكتفي بجذب اهتمام وسائل الإعلام من خلال أسماء لامعة وتذاكر باهظة؟

بين استراتيجية التسويق وتكلفة الاستعراض

لا شك أن استضافة أسماء مثل ليل بيبي أو جنيفر لوبيز أو شاكيرا، التي سبق وشاركت في دورات سابقة، تستدعي ميزانيات ضخمة، ويُحتمل أن إدارة المهرجان تحاول تغطية جزء من التكلفة عبر رفع الأسعار، لكن، وفق الخبير الاقتصادي أمين العياشي، فإن “هذه المقاربة تُغفل عنصرا جوهريا، وهو أن المهرجان مدعوم بشكل مباشر أو غير مباشر من المال العام، وبالتالي فإن عليه واجبًا أخلاقيًا يتمثل في ضمان العدالة الثقافية، لا فقط تحقيق التوازن المالي.”

ويضيف العياشي أن الجمهور المغربي يُطالب بحق بسيط: تذكرة بسعر معقول تسمح له بحضور فنان يحبه، دون أن يشعر بأنه متسول أمام بوابة ثقافية مغلقة

الشباب المغربي.. جمهور مغيّب؟

في منشورات وتعليقات على مواقع التواصل، عبّر عدد من الشباب المغربي عن خيبة أملهم مما وصفوه بـ”تسليع الثقافة”، و”تغريب المهرجان عن محيطه الاجتماعي”.
أحد المعلقين كتب: “المهرجان صار يشبه مهرجانات كوتشيلا ومونترو، لكن في بلد متوسط الدخل، فيه فوارق طبقية صارخة”.
بينما تساءلت ناشطة ثقافية: “من هو الجمهور المستهدف؟ هل نحن أمام حدث مغربي فعلاً، أم عرض ترفيهي للسياح والميسورين فقط؟”، في حين علق آخر :’ “موازين بدأ كمهرجان الشعب في المغرب، وانتهى كمهرجان النخبة في موروكو”.

يُشار إلى أن طوطو، أحد نجوم المهرجان، قد بُنيت شعبيته من خلال تواصله المباشر مع جمهور الأحياء الشعبية، ما جعل مشاركة جمهوره في حفله أمراً أساسياً في نظرهم، لكن الأسعار المعلنة أغلقت الباب أمام حضور فئات كانت تعتبره صوتها.

هذه المداخلات تلخص أزمة أعمق من مجرد أسعار تذاكر: إنها أزمة ثقة في خيارات منظمي المهرجانات الكبرى، وفي رؤيتهم للثقافة كرافعة للتماسك الاجتماعي وليس كأداة للفرز الطبقي.

ردود غائبة ومطالب بتوضيح

ورغم تصاعد الجدل، لم تُصدر إدارة مهرجان موازين أي توضيح رسمي حول منطق التسعير أو ما إذا كانت هناك آليات لتوفير تذاكر مخفضة أو مجانية، فيما اعتبر مراقبون هذا الصمت مؤشراً على غياب استراتيجية تواصل فعالة، وضعف في استشعار الرأي العام المحلي الذي يُفترض أن يكون الطرف الأول في أي حدث ثقافي وطني.

نزهة بوشارب، الأستاذة الجامعية المختصة في السياسات العمومية، تعتبر أن “عدم تفسير سياسات التسعير للجمهور المحلي يزيد من حدة الانفصال بين المهرجان وعمقه المجتمعي، وهو ما يهدد شرعيته الثقافية على المدى البعيد”.

موازين أمام لحظة مفصلية

في ظل هذا الجدل، يبدو أن مهرجان “موازين” مقبل على لحظة مفصلية، بين خيارين: إما أن يعيد النظر في فلسفته ويتجه نحو نموذج أكثر دمقرطة للثقافة، أو يواصل مسار التحول إلى حدث نخبوي مغلق، ولو على حساب شعبيته ومكانته الرمزية.

ويبقى السؤال مفتوحاً: هل تملك إدارة موازين الجرأة والمرونة للقيام بنقد ذاتي ومراجعة سياستها؟ أم أن صوت الجمهور، الذي طالما شكل روح المهرجان، سيظل مجرد خلفية صامتة لصخب المنصات؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى