
شهدت صادرات المغرب من فاكهة “الدلاح” (البطيخ) إلى السوق الإسبانية انهيارًا دراماتيكيًا في السنوات الأخيرة، متأثرة بشكل مباشر بأزمة الجفاف المتفاقمة التي تضرب البلاد، ورغم أن المغرب لا يزال يحتفظ بمكانة المورد الرئيسي لهذه الفاكهة الصيفية في إسبانيا، إلا أن حجم الصادرات انخفض بشكل حاد، مما يطرح تساؤلات جدية حول مستقبل هذه الزراعة الحيوية وأثرها الاقتصادي والاجتماعي على مناطق الإنتاج.
تراجع حاد في صادرات الدلاح: أرقام تعكس الأزمة
بحسب بيانات حديثة نشرها الموقع الإسباني المتخصص في القطاع الفلاحي “Hortoinfo”، انخفضت واردات إسبانيا من البطيخ المغربي بنسبة بلغت 76.6% بين عامي 2022 و2024. فقد تراجعت الكميات المستوردة من 122.56 مليون كيلوغرام عام 2022 إلى 28.7 مليون كيلوغرام فقط في 2024، أي أقل من ربع الكمية السابقة، وهذا الانخفاض لم يقتصر فقط على الكمية، بل انعكس أيضًا على القيمة المالية للصادرات التي بلغت حوالي 243.1 مليون درهم في 2024، بمعدل سعر بلغ 8.47 دراهم للكيلوغرام الواحد.
في ظل تراجع الكميات القادمة من المغرب، برزت السنغال كمنافس قوي، إذ ارتفعت صادراتها من البطيخ إلى إسبانيا بنسبة 89.5% بين عامي 2022 و2024، لتصل إلى 23.99 مليون كيلوغرام. كذلك، سجلت موريتانيا نمواً استثنائياً بنسبة 246.8%، بصادرات بلغت 12.29 مليون كيلوغرام في 2024.
الجفاف وقيود الزراعة: أسباب الأزمة
يكمن السبب الجوهري لهذا التراجع الحاد في أزمة الجفاف المتواصلة التي تضرب مناطق واسعة من المغرب، لا سيما في الجنوب الشرقي، وإقليم زاكورة تحديدًا، هذه المنطقة التي كانت تُعد من أهم مراكز إنتاج الدلاح في المغرب تواجه نقصًا حادًا في الموارد المائية، و استجابة لذلك، قررت السلطات المحلية فرض قيود صارمة على زراعة البطيخ، نظرًا لما تستهلكه هذه الزراعة من كميات ضخمة من المياه، التي تفوق قدرة الموارد المائية الجوفية على التجدد.
زراعة الدلاح: استنزاف مائي يهدد الأمن الغذائي
تشير دراسات بيئية وفلاحية متعددة إلى أن زراعة البطيخ من بين أكثر المحاصيل التي تستهلك كميات هائلة من المياه الجوفية، حيث يتجاوز معدل استهلاكها قدرة الطبيعة على إعادة ملء هذه الموارد، و هذا الواقع يمثل تهديدًا بالغًا ليس فقط على استدامة نشاط زراعة الدلاح، بل على الأمن المائي بشكل عام في المناطق التي تعتمد عليه.
فالزراعة المفرطة لهذا المحصول في مناطق تعاني أصلًا من ندرة المياه يمكن أن تؤدي إلى تدهور البيئة الزراعية، وإلى فقدان التوازن المائي الضروري للحياة والنشاط الاقتصادي.
انعكاسات الأزمة على الفلاحين والاقتصاد المحلي
لا يقتصر الضرر على جانب الموارد الطبيعية فحسب، بل يمتد ليطال الفلاحين الذين يعتمدون على زراعة الدلاح كمصدر رئيسي للدخل، الانخفاض الكبير في حجم الصادرات أدى إلى تقلص الأسواق والفرص الاقتصادية، مما يزيد من هشاشة الفلاحين في المناطق المتضررة، كما أن هذا التراجع قد يؤدي إلى إضعاف مكانة المغرب في السوق الأوروبية التي تعد إسبانيا بوابة رئيسية لها، خصوصًا في ظل المنافسة المتزايدة من دول أخرى تسعى إلى تعويض النقص في صادرات البطيخ.
آفاق الحلول والتكيف مع الواقع المائي
في ضوء هذه التحديات، تتجه الأنظار نحو ضرورة إعادة التفكير في استراتيجيات الإنتاج الزراعي المغربي، بما يتماشى مع محدودية الموارد المائية، فهناك حاجة ملحة إلى تبني تقنيات زراعية أكثر كفاءة في استهلاك المياه، وتطوير زراعة بديلة أقل استهلاكًا للماء في المناطق الجافة.
كما يتطلب الأمر دعمًا حكوميًا للفلاحين لتجاوز الأزمات، من خلال برامج تدريبية، ومساعدات مالية، وتشجيع الزراعة الذكية والمستدامة.
تراجع صادرات البطيخ المغربي إلى السوق الإسبانية يعكس أزمة مركبة بين التغيرات المناخية وأزمة المياه وإجراءات التحكم في استخدام الموارد الطبيعية، إن التحدي اليوم يكمن في تحقيق التوازن بين الحفاظ على استدامة الموارد المائية، وضمان استمرار النشاط الزراعي الذي يشكل جزءًا مهمًا من الاقتصاد المغربي، خاصة في المناطق الجنوبية. فهل سيتمكن المغرب من إيجاد الحلول المناسبة التي تحمي زراعته وأمنه المائي في آن واحد، أم أن هذه الأزمة ستترك آثارًا عميقة تتجاوز حدود موسم زراعي واحد، في ظل شراكة اقتصادية مع الاتحاد الأوروبي؟