
لم تكن الساعات الأولى من صباح اليوم الخميس عادية بالنسبة لساكنة دوار أولاد بوبكر، التابع لجماعة أولاد اݣناو بإقليم بني ملال_جهة بني ملال خنيفرة _. فالهدوء الذي يسبق موسم الحصاد، اختُرق بصوت ألسنة اللهب وهي تلتهم حقول القمح الواحدة تلو الأخرى، مخلّفة وراءها رمادًا وسخطًا وأسئلة مفتوحة عن مسببات الحريق وسبل الوقاية الغائبة.
ووفق روايات شهود عيان، فقد بلغ الحريق درجة عالية من الخطورة،حيث وُصف بـ”المهول”، بعدما أتى في وقت وجيز على نحو ثمانية هكتارات من القمح، في واحدة من أعنف الحرائق الزراعية التي شهدتها المنطقة هذا الموسم، وبينما يشكل محصول القمح عصب الحياة الاقتصادية لساكنة الدوار، وجد الأهالي أنفسهم فجأة أمام كارثة زراعية صامتة، مرّت في الظل دون أن تستأثر باهتمام إعلامي أو تحرّك ميداني منظم من الجهات المعنية.
النار تسبق التحقيق
بحسب مصادر محلية، فإن النيران اندلعت في ظروف لم تُحدّد بعد، ورغم عدم وجود تأكيد رسمي حتى الآن، تُرجّح التقديرات الميدانية أن الارتفاع القياسي في درجات الحرارة خلال الأيام الأخيرة، والذي تخطى المعدلات الموسمية، لعب دورًا حاسمًا في تأجيج الحريق، فيما دخل القمح مرحلة النضج، بات أكثر عرضة للاشتعال بفعل الجفاف والرياح، ما جعل من الضيعة حطبًا سريع الاشتعال.
مقاومة النيران بالنوايا الطيبة والمجارف
في ظل غياب تدخل فوري من فرق الوقاية المدنية، برزت مقاومة محلية بدائية لكنها فعالة… أحد العمال الفلاحيين لم ينتظر كثيرًا، فبادر بقيادة جرار زراعي وشق ممرات ترابية عازلة حالت دون وصول اللهب إلى مساحات زراعية أخرى.
وفي مشهد إنساني قوي، تجندت ساكنة الدوار، رجالًا ونساءً، محاولين إخماد الحريق بما توفر لديهم: دلاء ماء، مجارف، وأيديهم العارية.
يقول عبد الكبير أ.، أحد الفلاحين المتضررين، في تصريحه: “خسرت محصولي كامل، تعب سنة كاملة تبخّر في دقائق… ما عناش تأمين، ولا معدات، ولا حتى سيارة إطفاء قريبة، نعتمد فقط على الله وعلى بعضنا البعض.”
السلطات تتحرك بعد الفاجعة
بعد إشعار السلطات المحلية، انتقلت إلى عين المكان عناصر الوقاية المدنية مصحوبة بالقوات المساعدة والسلطة المحلية، حيث باشرت عملية تبريد محيط الحريق واستكمال التحقيقات الأولية لتحديد ملابساته،
غير أن التأخر في التدخل أثار حفيظة عدد من سكان المنطقة، الذين تساءلوا عن سبب غياب آلية فعالة للتدخل السريع في حوادث الفلاحة الموسمية، خصوصًا في ظل ما تشهده البلاد من موجات حرارة متكررة وتغيرات مناخية جذرية،
النظام البيئي _ النظام البيئي_
الدكتور نجيب حجي، الخبير في التغيرات المناخية وأستاذ بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، حذر في تصريح له: “ما نراه اليوم هو نتائج مباشرة للاختلالات المناخية التي بدأت تضرب المغرب بشكل واضح، الحرارة المرتفعة، الجفاف، وانخفاض معدلات الرطوبة تجعل من الضيعات الفلاحية، خاصة القمح، بيئة قابلة للاشتعال في أية لحظة.”
ويضيف الدكتور حجي: “نحتاج إلى استراتيجيات وقائية محلية، تتضمن نشر أدوات السلامة الزراعية، تدريب الفلاحين، وإنشاء وحدات تدخل سريعة مخصصة للمجال القروي.”
خسائر ثقيلة وموسم مهدد
تشكل الزراعة المعاشية عصب الحياة الاقتصادية لعدد كبير من سكان منطقة بني ملال–خنيفرة، ويُعتبر القمح أهم مورد موسمي بالنسبة للأسر القروية.
خسارة ثمانية هكتارات قد تبدو رقمًا بسيطًا في الحسابات الإحصائية الوطنية، لكنها تمثل كارثة لفلاحين يعيشون على حافة الهشاشة، لا يمتلكون تأمينًا زراعيًا ولا صيغ تعويض عادلة.
جرس إنذار صيفي
الحريق الذي اندلع بضواحي بني ملال ليس حالة معزولة، بل جرس إنذار مبكر لموسم صيفي مرشح ليكون صعبًا على المناطق الزراعية، في ظل تنبؤات تؤكد ارتفاع درجات الحرارة واستمرار الجفاف.
إنه نداء واضح إلى السلطات المعنية والفاعلين في القطاع الفلاحي من أجل التفكير الجدي في حماية المحاصيل والناس، خصوصًا في المناطق التي تبقى بعيدة عن أعين الكاميرات ولكنها في قلب الأمن الغذائي للبلاد.