الرئسيةرأي/ كرونيك

السابع من أكتوبر…لا تقرؤوا التاريخ من صفحة واحدة، فلسطين مرة أخرى

بقلم: الاعلامي والروائي خالد أخازي

يصرّون على التضليل، كأنّ قلوبهم ألصقت بالجدران، لا تعرف هواء الحرية ولا تصغي لصوت الألم.
يروّجون للجحيم، كأنّه طارئ، وليدُ لحظةٍ غاضبة في صدر فلسطينيٍّ تنعّم طويلاً بالأمان، وكأنّ المقاومةُ ترفٌ، والصمودُ حكاية نشاز من فمِ شعبٍ غريب.


لكنهم يعلمون… يعلمون أنّ النزيفَ قد بدأ قبل أن تُكتب على الجدران صرخة السابع من أكتوبر.
ويعلمون أن النار ليست جديدة، بل عادت في إخراج رقميٍّ متقن، وبتوقيع سماسرة التضليل… أولئك الذين يصنعون الحقيقة كما تُفصَّل الأكاذيب.

فاليأس لم يولد في السابع من أكتوبر، ولا النحيب، ولا شبحُ الدمار، بل كلُّ ذلك ضيفٌ مقيمٌ في الحمض النوويّ للقضية،
وعدُ الدم لم يبدأ حين دوّت أولى الطلقات، بل حين استقرّت في صدرِ دير ياسين عام 1948 http://عندما هاجمت الجماعات الصهيونية شبه العسكرية قرية دير ياسين بالقرب من القدس، التي كانت آنذاك جزءًا من فلسطين الانتدابية، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 107 من سكان القرى العربية، حيث الذبح جماعيّ، والصمت دوليّ،
وحين اغتُسلت أرض الطنطورة بدماء من ظنوا أن للغد وعدًا، فإذا بالغد مقبرة… لا تُغلق أبوابها.
لا تقل: إنها مأساة يوم.
ولا تزن حكاية الجثة بموازين الإعلام.

فالخراب يعاد ترميمه، لكن الكبرياء… لا يُرمَّم.

الحيطان تُبنى من جديد، لكن ملامح الدبابة التي داست على الزرع والدار والصغار، لا تمحى من الذاكرة.
الدمار؟ هو الفراغ المؤقت الذي يحتمل من أجل ألا نصبح أشباحًا في زمن الخذلان.
تذكر دير ياسين، لا كقرية على الخارطة، بل كبداية للكوابيس.
حين أطفأ الرصاص كلّ مصباح فلسطينيّ صغير كان يحلم بليلةٍ آمنة.

سل الطنطورة عن ليلٍ حُفرت فيه القبور بالأسنان، وسالت الأرواح كالماء البارد على تراب مهشم.
سل قبية عن البيوت التي سُويت بالأرض، والطفولة التي دفنها الجنود بأحذيتهم الثقيلة، والأمهات اللواتي لم يعرفن أسماء الجثث التي حملنها.

سل كفر قاسم  عن موتٍ بلا جريمة، وعن فلاحين قُتلوا لأنهم تأخروا في معرفة موعد حظر التجوال، لا في حملهم سلاحًا.

وتأمّل وجه اللاجئ في رفح وبحر البقر، ذاك الذي صارت خيمته قبرًا، وطفله رقمًا على ورقة إحصاء أمميّ.
وانظر إلى صبرا وشاتيلا…
ألمٌ لا يُختصر، جحيم سكن الصور، ووجوهٌ تكسّرت فوق الأرصفة،
هل نسي العالم صرخة من لم يُكملوا الصلاة؟
هل طوت الكاميرات مجازرَ كانت وصمةَ التاريخ؟
في الخليل… سال الدم في محراب،
وفي جنين… دُمّرت الأزقة، لكن المقاومة لم تنكسر،
وفي غزة… منذ 2008 حتى اليوم… موتٌ متكرّر، بصيغة مختلفة،
لكن الوجع ثابت،
وأشلاء الأطفال مكرّرة كأنها كابوس يعاد بثّه مع كل فجرٍ.

السابع من أكتوبر؟

كان انفجارًا… لا بداية.
تراكمَ الغضب في الحصار، في التجاهل، في القهر،
فانفجرت الأرض بمن فيها، وصاحت الحناجر التي كتموها لعقود.
لكنّنا لم ننسَ بعدُ…
خذلانَ الأمة، وتواطؤ العالم،
خذلان من باع القضية بصمت، ومن خنقها ببياناتِ استنكارٍ ناعمة كالكذب.
ومن نظر إلى غزة من نوافذ الربح والخسارة، لا من نوافذِ الجرحِ والمروءة.
إنّ من لا يذكر دير ياسين، لا يفهم غزة. http://دينة ساحلية فلسطينية، وأكبر مدن قطاع غزة وتقع في شماله، في الطرف الجنوبي للساحل الشرقي من البحر المتوسط. تبعد عن مدينة القدس مسافة 78 كم إلى الجنوب الغربي،

ومن لا يسمع صدى الطنطورة، لا يفهم صرخات أطفال رفح.
ومن يتجاهل دماء المسجد في الخليل، لا يحقّ له أن يحدّثنا عن الأمن أو عن “التحضّر”.
فلا تقرأوا التاريخ من صفحة واحدة.

فلسطينيون مهجرون من مخيمات بيت حانون يعبرون طريق صلاح الدين الرئيسي إلى جباليا شمال قطاع غزة في أعقاب أوامر الإخلاء التي أصدرها الجيش الإسرائيلي.
فلسطينيون مهجرون من مخيمات بيت حانون يعبرون طريق صلاح الدين الرئيسي إلى جباليا شمال قطاع غزة في أعقاب أوامر الإخلاء التي أصدرها الجيش الإسرائيلي.

السابع من أكتوبر ليس رواية البداية، بل حلقةٌ من مسلسل الحصار،
صوتٌ من أرشيف الدموع،
وتوقيعٌ قديم على عقد الجرح المستمر.
فلسطين…
هي القتيل، ولو حمل البندقية،
وهي الحيّ، وإن مات الجسد،
وهي البداية، وإن قيل إنها االنهاية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى