الرئسيةسياسة

“قرض بالملايين يُشعل الجدل بجهة كلميم واد نون

في خطوة مفاجئة وغير مسبوقة من حيث توقيتها وسياقها، أثارت مباركة بوعيدة، رئيسة جهة كلميم واد نون والقيادية في حزب التجمع الوطني للأحرار، موجة جديدة من الجدل السياسي والقانوني، بعدما وقعت اتفاقية قرض خارجي جديد مع وكالة التنمية الفرنسية (AFD)، بلغت قيمته 25 مليون يورو، أي ما يعادل أزيد من 25 مليار سنتيم مغربي.

اتفاقية تفتقر للشفافية

عملية التوقيع التي تمت بين بوعيدة والمدير العام للوكالة الفرنسية، ريمي ريو، جرت بعيدًا عن أنظار أعضاء مجلس الجهة، ودون أي تداول علني أو رسمي داخل مؤسساته المنتخبة, وهو ما يعتبره عدد من الفاعلين السياسيين والحقوقيين خرقًا واضحًا لمقتضيات القانون التنظيمي للجهات، والذي ينص على ضرورة مناقشة كل اتفاقية تمويل أو اقتراض داخل المجلس الجهوي والتصويت عليها قبل تفعيلها.

حسب معارضي بوعيدة، فإن الأمر الأكثر إثارة للقلق، هو غياب أي توضيحات بخصوص طبيعة المشاريع التنموية التي سيُموَّل بها هذا القرض الضخم، خاصة وأن التجربة السابقة للقرض الذي حصلت عليه الجهة سنة 2023 بقيمة 12 مليون يورو، لم تُرفَق بتقارير مفصلة عن طرق صرفه أو تقييم الأثر التنموي الذي خلفه.

اتهامات بالتسيير الانفرادي

يرى معارضو بوعيدة أن ما جرى يُعيد إلى الواجهة إشكالية التسيير الأحادي الذي أصبح، حسب تعبيرهم، القاعدة في تدبير شؤون جهة كلميم واد نون، بدل أن يكون الاستثناء.

ويتهم هؤلاء المعارضة بوعيدة بـ”تحويل مؤسسة جهة كْلْمِيمْ وَادْ نُون هي الجهة العاشرة من جهات المغرب الإثنا عشرة إلى ما يشبه شركة خاصة” تُدار فيها القرارات الكبرى بمعزل عن أي رقابة مؤسساتية أو مشاركة من طرف باقي مكونات المجلس الجهوي.

وتذهب بعض الأصوات إلى أبعد من ذلك، معتبرة أن “الصفقات والاتفاقيات الكبرى تمرر في الظل، دون مناقشة علنية، وبدون وثائق مرجعية دقيقة، مما يفتح الباب أمام تساؤلات مشروعة حول الحكامة المالية والشفافية في تدبير المال العام”.

الديون تتراكم.. والمشاريع غائبة

وبينما تبرر الرئيسة بوعيدة هذا القرض الجديد بكونه جزءًا من استراتيجية دعم التنمية المجالية وتحقيق العدالة الترابية، فإن الشكوك تتصاعد حول قدرة الجهة على سداد هذه الديون المتراكمة، في ظل غياب رؤية مالية واضحة، وشفافية في تقييم مردودية القروض السابقة.

المعارضة ترى أن استنزاف الجهة بديون داخلية وخارجية بدون ضبط منهجي لمجالات الإنفاق أو تحديد أولويات حقيقية، يشكل مغامرة غير محسوبة العواقب، من شأنها أن ترهن مستقبل الأجيال القادمة وتُقيد أي إمكانيات للاستثمار الذاتي في المستقبل القريب.

غياب المحاسبة وارتباك في التواصل

من الملاحظ أيضًا أن التوقيع على الاتفاقية تم دون إصدار بلاغ رسمي أو عقد ندوة صحفية توضح للرأي العام الوطني والجهوي حيثيات القرض، وطبيعة المشاريع المزمع إنجازها، وهو ما اعتبره مراقبون نقصًا في مقومات التواصل المؤسساتي، يُغذي أجواء الريبة ويؤكد، بنظرهم، أن قرارات من هذا الحجم لا تُتخذ بناءً على التشاور والمساءلة.

في انتظار تدخل حكومي أو قضائي؟

الوضع المتأزم يفتح الباب أمام احتمال تدخل سلطات الرقابة الإدارية أو حتى القضائية للتحقيق في مدى احترام المساطر القانونية التي تُؤطر الاقتراض العمومي من طرف الجهات الترابية، وهو ما من شأنه أن يُعيد النقاش حول ضرورة تعزيز مراقبة التدبير الجهوي وضمان توازن السلط داخل المجالس المنتخبة.

توقيع مباركة بوعيدة على قرض بقيمة 25 مليون يورو دون نقاش أو تصويت داخل مجلس جهة كلميم واد نون، يمثل نموذجًا صارخًا للتحديات المرتبطة بالحكامة المحلية في المغرب، ويطرح أسئلة جوهرية حول مدى احترام مقتضيات الديمقراطية التمثيلية والشفافية في تدبير المال العام، وبينما ترى الرئيسة أن ما قامت به يدخل في إطار صلاحياتها، يصر معارضوها على أن المسألة أعمق من مجرد توقيع، وأنها تعكس أزمة بنيوية في آليات تدبير الشأن العام الجهوي,

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى