الرئسيةمجتمع

عندما تُوظَّف الأموال العمومية لتشغيل الأقارب بالمملكة

في بلد يكافح من أجل تقليص معدلات البطالة، ويطلق البرامج تلو الأخرى لإنعاش سوق الشغل، يبدو أن بعض المبادرات الاجتماعية لا تصل إلى مستحقيها، بل تتحول إلى غنيمة في يد مسؤولين محليين وجمعيات “صديقة”، يستغلونها في توظيف الأقارب والمقربين، تحت غطاء العمل الجمعوي، وبتواطؤ صريح أو صمت مريب من الجهات المفروض فيها التتبع والمراقبة.

ما حدث في إمينتانوت، حيث توبع رئيس جمعية على خلفية شكاية رفعها محام، أورد فيها خروقات واختلالات همت مشروعا ممولا في إطار البرنامج الحكومي “أوراش”، ووجهت فيها شبهات الاختلاس والتبديد إلى رئيس جمعية ورئيس جماعة، على اعتبار أن الأول استفاد من تمويل من البرنامج الاجتماعي سالف الذكر، قيمته 200 ألف درهم، ليس استثناءً، بل هو مرآة لما يقع في مناطق أخرى، حيث تُختزل مفاهيم “التشغيل المؤقت” في توزيع فرص العمل على الأبناء والأصهار، ومنح التعويضات للمقيمين في مدن أخرى، في غياب أي عمل فعلي أو مشروع منجز.

“أوراش”: مشروع اجتماعي أم غطاء للريع المقنع؟

أطلقت الحكومة برنامج “أوراش”، بدعوى إنعاش الاقتصاد ما بعد الجائحة، و كان من المفترض أن يوفر مناصب شغل مؤقتة لفئات هشة، خاصة في القرى والمجالات شبه الحضرية.
لكن واقع التنفيذ أظهر هشاشة البنية الرقابية للبرنامج، وسهولة الالتفاف على أهدافه، ففي حالة إمينتانوت، تم إدراج أسماء أقارب رئيس الجمعية المستفيدة في لوائح العمال، رغم أن بعضهم يعيش في كلميم والعيون، ولم تطأ أقدامهم الورش الممول!
فأين هي اللجنة الإقليمية التي يفترض أن تتأكد من تنزيل المشروع على الأرض؟ وأين التقارير التقنية والمالية؟ هل نحن أمام برنامج اجتماعي فعلي، أم مجرد عملية تفويض سياسي غير مسؤول لأموال الدولة؟

التواطؤ الجماعي: عندما تتورط الجماعة والجمعية معاً

الأخطر في هذه القضية، أن التلاعب لم يقف عند حدود الجمعية، بل إن رئيس الجماعة القروية نفسه اتُهم باستغلال مستفيدين من “أوراش” في بناء مسكن لقريب له، وكأننا أمام مقاولة خاصة ممولة من جيوب دافعي الضرائب، يضرب هذا النوع من السلوك مبادئ العدالة الاجتماعية في العمق، ويغذي الإحباط الجماعي لدى شبابٍ يرى كيف تُختطف الفرص أمام عينيه، فيما يتم تقديمها على طبق من ذهب للمقربين والمحظوظين.

من يحاسب من؟

رغم ثبوت معطيات خطيرة في الملف، قررت النيابة العامة متابعة رئيس الجمعية فقط، في حالة سراح، مقابل كفالة لا تتجاوز 15 ألف درهم، بينما تم إعفاء رئيس الجماعة من المتابعة، بدعوى وجود ملفات أخرى ضده، وكأن “الملفات الأخرى” أصبحت عذراً للتأجيل لا حافزاً للتعجيل بالمحاسبة!

إن ما نعيشه اليوم من حالات “فشل رقابي” لا يمكن عزله عن ثقافة الإفلات من العقاب التي باتت تطبع بعض الممارسات المحلية، حيث يتم التغاضي عن الفساد الصغير بدعوى التركيز على الفساد الكبير، في حين أن الاثنين ينخران الثقة في الدولة على حد سواء.

برامج الدعم الاجتماعي تتحول من أداة إدماج اقتصادي إلى فخ للزبونية والمحسوبية

من المؤلم أن تتحول برامج الدعم الاجتماعي من أداة إدماج اقتصادي إلى فخ للزبونية والمحسوبية، فكل درهم يُختلس هو فرصة حقيقية ضاعت من شاب/ة كان يمكن أن يُدْمج في سوق الشغل، وكل مشروع يُفْسد هو لبنة مفقودة في جدار الثقة بين المواطن والدولة.

ما نحتاجه اليوم ليس فقط برامج جديدة، بل إصلاح جذري في آليات التتبع والمراقبة، مع رقمنة كل المسارات، ونشر لوائح المستفيدين للعموم، وإشراك المجتمع المدني الحقيقي وليس الجمعيات التابعة للعيان في التقييم والمحاسبة.

فليس هناك أسوأ من بطالة، سوى ريع يُوزع بلا وجه حق باسم محاربتها، ولعل أهم ورش يجب أن يُفتح في المغرب، ليس فقط “أوراش” التشغيل، بل “أوراش المحاسبة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى