اقتصادالرئسية

كيف قادت “Canal M” حوالي 60 وكالة لشبح الإفلاس؟

في واحدة من اشد الأزمات التي عصفت بقطاع تحويل الأموال في المغرب خلال السنوات الأخيرة، تواجه أكثر من 60 وكالة مالية وشبه مالية شبح الإفلاس، بعد أن وجدت نفسها ضحية لما وصفه المتضررون بـ”عملية نصب ممنهجة” نفذتها الشركة الأم MEA FINANCE، المالكة للعلامة التجارية “Canal M”، والمرخصة رسميًا من طرف بنك المغرب.

فمنذ أن جمدت الشركة تحويلاتها بشكل مفاجئ، دون سابق إنذار أو توضيح قانوني، دخلت الوكالات المتضررة في دوامة من العجز المالي، بعد حجز أموالها لأشهر، مما شلّ نشاطها بشكل كامل، وأدى إلى حرمان مئات الأسر من مصدر رزقها.

انهيار مفاجئ وأزمة تتدحرج ككرة ثلج

انطلقت الشرارة الأولى للأزمة حين قررت الشركة الأم توقيف عملياتها بشكل أحادي، متسببة في شلّ نشاط العشرات من الوكالات التابعة لها، و التي لم تعد قادرة على تحويل الأموال أو صرفها، أو حتى تسديد مستحقات موظفيها ومصاريفها التشغيلية الأساسية.
ومع تفاقم الوضع، تهاوت الوكالات واحدة تلو الأخرى، في ظل عجز تام عن الوفاء بالالتزامات المالية، مما دفع كثيرين إلى الإغلاق النهائي، بينما علّقت أخرى أنشطتها في انتظار “معجزة” تعيد لها أموالها المحجوزة دون سند قانوني واضح.

من الاحتجاج إلى قبة البرلمان: صوت المتضررين يعلو

أمام الصمت الرسمي، لم يكن أمام المتضررين سوى النزول إلى الشارع، فمنذ مطلع السنة الجارية، تشهد العاصمة الرباط وقفات احتجاجية متواصلة أمام مقر شركة “Canal M” وأمام مبنى البرلمان، يرفع فيها وكلاء تحويل الأموال شعارات تطالب باسترجاع الأموال المحتجزة، وإنقاذ الوكالات من الإفلاس.

لم تلبث القضية أن انتقلت إلى البرلمان، حيث تقدم النائب عبد الله بووانو، عن حزب العدالة والتنمية، على خط القضية، موجها سؤالًا شفهيًا إلى وزارة الاقتصاد والمالية، طالب فيه بالكشف عن التدابير العاجلة التي تنوي الحكومة اتخاذها لإنقاذ القطاع، وأكد بووانو أن سبب الأزمة الرئيسي هو توقف الشركة عن تحويل الأموال، ما أدى إلى تراكم الديون وانهيار النشاط المالي للوكالات.

هشاشة قانونية ورقابية تهدد القطاع

يرى الأستاذ محمد السالمي، الخبير المغربي في القانون المالي، أن الأزمة كشفت ضعفًا بنيويًا في البنية القانونية والتنظيمية التي تؤطر عمل شركات تحويل الأموال.
وقال في تصريح له: “التجميد غير المبرر لأموال الوكلاء يمثل إخلالًا تعاقديًا جسيمًا، ويُفترض أن يدفع بنك المغرب ووزارة الاقتصاد إلى التدخل العاجل وفتح مسطرة مساءلة قانونية في حق الشركة الأم”.

السالمي يوضح أن منح الترخيص لشركة مالية لا يجب أن يكون نهاية دور السلطات، بل بداية مسار رقابي صارم، يضمن حقوق المتعاملين معها، ويمنع أي تجاوزات قد تهدد الثقة في النظام المالي الموازي.

وفي السياق نفسه، يؤكد جون مارك لوران، المستشار السابق بالبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، أن ما حدث مع “MEA FINANCE” يكشف عن ضعف الضمانات القانونية المفروضة على الشركات المالية في عدد من دول الجنوب، بما فيها المغرب.

ويضيف لوران: “في الأسواق الأوروبية، لا يُمكن لأي شركة مرخصة حجز أموال أطراف ثالثة دون قرار قضائي أو سند قانوني معلن، غياب هذه الضوابط يُصنف كاحتيال مالي، وتتم متابعته جزائيًا على الفور”.

ويرى الخبير الدولي أن استمرار السلطات المغربية في تجاهل الأزمة، أو تأخير التدخل، قد يؤدي إلى إضرار جسيم بصورة البلاد لدى المستثمرين الأجانب ومؤسسات التصنيف المالي.

في الانتظار: الوكالات المعلقة على حافة الهاوية

في ظل غياب رد فعل رسمي ملموس، يبقى وكلاء تحويل الأموال المتضررون، إلى جانب مئات الأسر التي تعتمد عليهم، عالقين في دائرة الغموض.
لا هم استعادوا أموالهم، ولا حصلوا على تفسير قانوني أو قضائي لما حدث، ولا توفرت لهم ضمانات بعدم تكرار السيناريو مع شركات أخرى.

ومع أن الملف وصل إلى قبة البرلمان، لا يزال الشارع ينتظر من وزارة الاقتصاد والمالية وبنك المغرب ،تحركًا حاسمًا يعيد الحقوق لأصحابها، ويرسي قواعد جديدة أكثر صرامة ومصداقية في تنظيم قطاع حساس يمس الأمن الاقتصادي لآلاف الأسر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى