اقتصادالرئسية

المغرب والسائح الصيني: حين يسبق “الملصق الإعلاني” قطار التنمية السياحية

في بلد يطمح إلى دخول نادي الكبار سياحيًا، يبدو أن المغرب قد تفوّق على نفسه في بيع الحلم، لكنه تعثّر في تقديم “الواقع”.

في زحمة المعارض الدولية والابتسامات الرسمية اللامعة، يلوّح المغرب بيده للسائح الصيني كمن يقول له: “مرحبًا بك في أرض الألف سحر!” لكن ما إن تطأ قدماه مطار محمد الخامس، حتى يصطدم بعالم آخر: آلة صرف معطلة، سيارة أجرة بدون عداد، وبائع شاي يخبره أن “علي باي” لا يُصرف هنا.

في زمن تُقاس فيه التجربة السياحية بتطور البنية الرقمية، اختار المغرب أن يستقبل واحدًا من أكثر السياح إنفاقًا في العالم، بأدوات تنتمي إلى القرن الماضي.

تسويق يلمع.. وتجربة تُشبه “الكمين”

المغرب لم يدّخر جهدًا في الترويج لنفسه في السوق الصينية، حملات تسويقية ملونة، منصات في المعارض الدولية، توقيع اتفاقيات طيران مباشرة، وتعاونات مع مؤثرين صينيين.

والنتيجة؟ تدفّق غير مسبوق للسياح الصينيين، و تصريح رسمي بالوصول إلى أكثر من 22 مليون سائح خلال سنة 2025، نسبة متزايدة منهم من الصين، حسب إحصائيات وزارة السياحة.

ولمن لا يعرف، فالسائح الصيني لا يأتي بحقائب صغيرة، حيث تشير أرقام منظمة السياحة العالمية إلى أن متوسط إنفاق السائح الصيني في الرحلة الواحدة يبلغ حوالي 7000 دولار، يُنفقها على التسوّق الراقي، الفنادق المصنفة، الرفاهية، وتجارب الذوق الرفيع، هذا يعني أن كل فوج صيني لا يحمل فقط كاميراته، بل أيضًا فرصة تنمية اقتصادية كبيرة.

لكن.. أي تجربة تنتظره؟

الأسعار تحلق.. والخدمات تزحف

من طنجة إلى أكادير ، يشكو السياح الصينيون – بصوت غير مسموع – من غلاء الأسعار مقارنة بجودة الخدمات، ما يؤكده التقرير الرسمي الصادر عن وزارة السياحة، فقد ارتفع متوسط أسعار الإقامة والخدمات ب 22% مقارنة مع 2022، ومع هذا الارتفاع، تتراجع مؤشرات الرضا، خاصة بين السياح القادمين من بلدان اعتادت على معايير عالية مقابل السعر المدفوع.

في الواقع، لا تملك السياحة المغربية آلية فعالة لضبط الأسعار أو مراقبة جشع بعض الفنادق والمطاعم، التي ترى في السائح الأجنبي “خروفًا ذهبيًا” يُذبح على مائدة الأرباح، وهذا بالضبط ما يجعل السائح الصيني، الذي قد يكون أمضى أيامًا في مشاهدة فيديوهات عن “كرم الضيافة المغربي”، يكتشف أن بعض المؤسسات السياحية لا تجيد سوى رفع الفاتورة، مع نسيان الفوطة النظيفة في الغرفة.

السياحة الرقمية: ثغرة لا تسدّها الحكايات

في 2025، لم يعد بإمكانك التفاخر بمنارة ومتحف وأكلة تقليدية فقط، فالسائح يريد أن يُدبّر رحلته من هاتفه، أن يدفع بتطبيقاته المعتادة، أن يتلقى إشعارات بلغته، وأن يشعر أنه في بلد ذكي، لا مجرد ديكور تاريخي جميل.

لكن الواقع يقول العكس، فحسب الفيدرالية الوطنية للسياحة و التي نشرت أرقام صادمة.. تشير إلى أن 40% من المؤسسات السياحية بالمغرب لا تقبل سوى الدفع النقدي، وأن أقل من 15% فقط لديها بوابات إلكترونية للحجز والدفع المسبق.

أما عن التطبيقات الذكية الموجهة للسياح؟ فاسأل أي سائح صيني كيف حجز رحلته بين فاس وشفشاون، سيخبرك أنه اضطر لطلب المساعدة عبر تطبيق ترجمة آلي بعد أن فقد الشبكة وواجه سائقًا لا يعرف “Ni hao” من “Au revoir”.

غياب التنسيق: كل قطاع يغني على ليلاه

في لحظة صدق نادرة، صرّح مسؤول في وزارة السياحة لصحيفة “ليكونوميست” أن “أكبر عائق أمام تطور التجربة السياحية هو غياب استراتيجية موحدة، تجمع بين الترويج والتأهيل والبنية التحتية”.
بعبارة أخرى: نحن نضع آلاف الدولارات في الإعلانات، لكننا ننسى أن نحجز غرفة لائقة للضيف.

فغياب التنسيق بين وزارات النقل، السياحة، الاقتصاد الرقمي، والداخلية يجعل تجربة السائح شبيهة بـ”اللعبة المتاهة”.
يملك السائح الوقت والمال، لكن لا يملك الوسيلة الذكية لاكتشاف البلاد دون أن يُصاب بالإرهاق أو يضطر للاستعانة بوكالة سفر باهظة الثمن لتفسير كيفية ركوب قطار أو دفع فاتورة مطعم.

ما العمل؟ ثورة تنظيمية أو خسارة الفرصة

ما يحتاجه المغرب ليس فقط المزيد من “اللايكات” على صور الأطلس، بل خطة استراتيجية جادة تشمل:

* دمج أنظمة الدفع الدولية وعلى رأسها التطبيقات الصينية (Alipay وWeChat Pay) في الفنادق والمرافق السياحية.
* تطوير تطبيق رسمي متعدد اللغات (تشمل الصينية) يقدم خدمات الحجز، الخرائط، التوصيات، والتفاعل مع المؤسسات.
* تدريب الكفاءات السياحية على خصوصية السائح الصيني، من اللغة إلى ثقافة التعامل.
* ضبط الأسعار بصرامة لمنع الغش السياحي وخلق الثقة.
* تحسين النقل الداخلي وربطه بأنظمة ذكية، تُمكّن السائح من التنقل دون أن يحتاج إلى دليل محلي.

المغرب والسائح الرقمي.. من يربح الرهان؟

هل يستيقظ المغرب في الوقت المناسب ويحوّل هذه الفرصة إلى قصة نجاح؟ أم سنُضيف السائح الصيني إلى قائمة الزوار الذين “زارونا مرة ولن يعودوا”؟ الأسواق العالمية لا ترحم، والسائح الصيني تحديدًا لن ينتظر طويلاً، إنه ببساطة يختار الوجهة التي تُحسن استقباله رقمياً قبل جسدياً.

في النهاية، السياحة ليست ملصقًا إعلانيًا، بل تجربة مترابطة، تبدأ من أول نقرة حجز وتنتهي بابتسامة في المطار.

المغرب يملك جميع المقومات، لكنه إن لم يُحسن ترتيب بيته الداخلي، فسيظل يبيع الحلم في الإعلانات، ويُقدّم الواقع في طوابير الانتظار والبطاقات المعطلة.

فهل نتعلم من النقد قبل أن يتحوّل إلى مراجعات سلبية على مواقع الحجز العالمية؟ أم ننتظر أن يُصنّف المغرب كأجمل وجهة.. لمن لا يستخدم الإنترنت؟

اقرأ أيضا…تعزيز التعاون السياحي بين المغرب والصين في قلب اجتماع عمور مع نائب وزير السياحة الصيني

تعزيز التعاون السياحي بين المغرب والصين في قلب اجتماع عمور مع نائب وزير السياحة الصيني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى