رغم إشارات التعافي الاقتصادي التي تلوح في الأفق، يبدو أن الطريق نحو انتعاش قوي لاقتصاد المغرب لا يزال محفوفًا بالتحديات، وفقًا لأحدث توقعات مجموعة البنك الدولي,، فقد كشفت المؤسسة المالية الدولية، في تحديثها الصادر يوم الثلاثاء بشأن “آفاق الاقتصاد العالمي”، عن مراجعة طفيفة نحو الانخفاض لتوقعات النمو الخاصة بالمغرب خلال السنوات المقبلة، مقارنة بالتوقعات السابقة التي صدرت في يناير من العام الجاري.
انخفاض طفيف في التوقعات… واستمرار وتيرة النمو المتواضع
بحسب التقرير الجديد، يتوقع البنك الدولي أن يسجل الاقتصاد المغربي معدل نمو قدره 3.6% خلال سنة 2025، يليه نمو بنسبة 3.5% في عام 2026، قبل أن يعاود التحسن قليلاً إلى 3.6% سنة 2027، ورغم أن هذه الأرقام تعكس استمرار الاقتصاد الوطني في مسار نمو إيجابي، إلا أن الخفض الطفيف لتوقعات 2025 و2026 – بنسبتي 0.3 و0.1 نقطة مئوية على التوالي مقارنة بتوقعات يناير – يطرح تساؤلات حول دينامية الاقتصاد المغربي في ظل تقلبات داخلية وخارجية متعددة.
ويعكس هذا التراجع المحدود في التوقعات استمرار حالة من الحذر لدى المؤسسات الدولية بشأن آفاق الاقتصاد المغربي، خصوصًا في ظل التحديات الهيكلية التي تواجهه، مثل ضعف الإنتاجية، وتقلبات المناخ، وتأثيرات الأزمات الجيوسياسية على سلاسل التوريد والأسواق الخارجية.
سياق إقليمي حذر: منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تواجه صدمات تجارية
لم يقتصر التقرير على المغرب فحسب، بل شمل تحليلاً أوسع لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث أشار إلى أن النمو الاقتصادي الإقليمي بلغ 1.9% خلال 2024، مع توقعات ببلوغه 2.7% في 2025 و 3.7% في 2026، وصولاً إلى 4.1% في 2027.
غير أن هذا المسار التصاعدي للنمو في المنطقة لا يعكس بالضرورة واقعًا مريحًا؛ إذ أوضح البنك أن هذه التوقعات جاءت أقل من نظيراتها في يناير الماضي، حيث خُفّضت توقعات 2025 بـ0.7 نقطة مئوية، وتوقعات 2026 بـ0.4 نقطة مئوية، ويُعزى هذا التراجع إلى زيادة الحواجز التجارية، والتي أثرت سلبًا على تدفقات التجارة البينية والخارجية، في ظل تصاعد الحمائية الدولية وارتفاع تكاليف النقل والتأمين.
ما وراء الأرقام: قراءة في التحولات البنيوية والمؤشرات المقلقة
رغم أن نسب النمو المتوقعة تبدو إيجابية مقارنة بدول تواجه ركودًا أو انكماشًا، فإن القراءة العميقة لهذه المؤشرات تكشف غياب تسارع حقيقي في وتيرة النمو الاقتصادي المغربي، خاصة بالنظر إلى حاجة البلاد إلى معدلات نمو تفوق 5% سنويًا من أجل امتصاص البطالة وتحقيق أهداف التنمية الاجتماعية.
الاقتصاد المغربي، وعلى غرار اقتصادات المنطقة، يظل رهينًا لتقلبات المناخ ومحدودية التنويع الاقتصادي، فضلًا عن هشاشة القطاعات الموجهة للتصدير أمام التوترات الجيوسياسية وتقلبات الأسواق العالمية، كما أن تحديات الأمن الغذائي والمائي، والتفاوتات المجالية، والضغوط الاجتماعية المتنامية تشكل عوائق مستمرة أمام تحقيق نمو أكثر شمولاً واستدامة.
الحاجة إلى إصلاحات هيكلية عميقة لرفع سقف الطموحات الاقتصادية
تكشف بيانات البنك الدولي أن المغرب، رغم حفاظه على مسار نمو إيجابي نسبيًا، يحتاج إلى إصلاحات هيكلية جريئة من أجل كسر حلقة “النمو المحدود”، وتشمل هذه الإصلاحات تحسين مناخ الاستثمار، تعزيز العدالة الضريبية، تحديث الإدارة العمومية، وتسريع وتيرة الانتقال الطاقي والتكنولوجي.
وفي ظل استمرار التباطؤ العالمي وتصاعد التحديات الإقليمية، يبقى الرهان الحقيقي أمام صانعي القرار في المغرب هو تحويل الأزمات إلى فرص، عبر تخطيط اقتصادي أكثر مرونة، ورؤية استراتيجية طويلة الأمد تضع الإنسان والتنمية المستدامة في صلب الأولويات.