أصدرت غرفة الجنايات الاستئنافية بمحكمة القنيطرة يوم الجمعة 13 يونيو الجاري حكماً ضد المتهم الذي اعتدى على خديجة، المعروفة بلقب “مولات 88 غرزة”، قضى بما يلي: سنتان ونصف (30 شهراً) سجناً نافذاًوتعويض قدره 200,000 درهم لصالح الضحية، استجابة لطلبها بصفتها طالبة للحق المدني.
13/06/2025
0
بقلم: بثينة المكودي
لم تكن رقما في سجل الطب العدلي، ولا مجرد شكاية تُقيد ضد مجهول، كانت وجه مرأة مخيطا بـ80 غرزة، كل واحدة منها تنطق بما لا تقوى عليه الكلمات، كانت خريطة واضحة للعنف، دليلًا ماديا على ما يحدث حين يُترك الجسد الأنثوي مشرعا أمام الوحشية، وتغلق الأبواب في وجه الحقيقة.
خديجة، ابنة الهامش والخذلان، وقفت بجرأة أمام المحكمة، أمام مجتمع يطلب من الضحية أن تبرر صراخها لا أن يُحاسب المعتدي، رفعت صوتها وسط صمت كثيرين، وواجهت وجوها لا ترى فيها سوى “العار” و”الفضيحة”، لا الإنسانة المكسورة التي خرجت من بين أنياب الموت.
80 غرزة على جسدها لم تكن جراحا عابرة، كانت توقيعا على عريضة صمت طويل اسمه التواطؤ الاجتماعي.
العدالة لم تنتصر بسهولة
الطريق إلى الحكم لم يكن معبدا،حيث ما أصعب أن تقف امرأة فقيرة، قليلة الحيلة، في وجه الذكورية الذين تستبيح النساء، لكن خديجة كشفت، وواجهت، وانتظرت، حتى انتصر لها القضاء أخيرا، لا لأن المنظومة صارت عادلة فجأة، بل لأن الألم حين يُروى دون خوف، يتحول إلى قوة ضغط لا يمكن تجاهلها.
زيارة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة لخديجة
صوت الجمعيات الحقوقية يعلو…
في تعليقها على القضية، قالت بشرى عبده، مديرة جمعية تحدي المساواة والمواطنة: “الانتصار لخديجة ليس فقط حكمًا قضائيا، بل خطوة رمزية نحو الاعتراف بمعاناة آلاف النساء اللواتي يُكسرن في الخفاء.
الا ان العدالة وحدها لا تكفي، نحتاج إلى سياسات وقائية، وحماية حقيقية، وإرادة جماعية لمواجهة العنف المبني على النوع، ما وقع لخديجة يجب أن يكون ناقوس خطر للحد من ظاهرة العنف وضرب على الأيدي لكل من شهّر بها عن طريق منصات التواصل الاجتماعي ومسّ بانسانيتها..
الحكم ليس نهاية
إدانة الجاني ليست ختام الحكاية، بل بدايتها، من يداوي ذاكرة فتاة جُرحت جسديا ونفسيا؟ من يحاسب من صمت، ومن استهزأ، ومن قال: “أكيد كانت باغية”؟ وكأن الباغية مهدورة الدماء.
من يُصلح نظاما يُفرج عن مغتصب ويشكك في الضحية؟ من يعلّم الأطفال أن الجسد ليس ملكية عامة، وأن لا أحد يملك الحق في كسره ثم الخروج من الباب الخلفي للقانون؟
خديجة ليست حالة واحدة…
هي مرآة لآلاف الفتيات اللواتي يسقطن كل يوم تحت عنف مختلف: جسدي، نفسي، جنسي، مجتمعي، الفرق الوحيد أن خديجة اختارت أن لا تموت في الظل، اختارت أن تحكي، أن تقف،أن تصرخ.
واليوم صرختها لقيت الصدى، حين انتصرت العدالة، لا يجب أن نحتفل فقط، بل أن نلتزم باللا صمت بعد اليوم، وباللا مهادنة مع العنف ضد النساء، ولا تواطؤ مع الوحوش، ولا عفو عن متواطئ.
اخيرا وليس بآخر،
ثمانون غرزة، وامرأة واحدة، كانت كافية لتخيط ثوب العدالة، وتعرّي جرحًا لا يلتئم إلا بالحقيقة.