
في ظلال مأساة الهجرة التي تعصف بشباب المغرب، تتكشف أبعاد مأساة أكثر إيلامًا، تمس كرامة الإنسان وقيم العدالة، حيث يصبح الحلم باللجوء والحماية في أوروبا كابوساً يروّع قاصرين مغاربة.. ضحايا استغلال جنسي مروع على يد ضباط شرطة إسبانيين، مفترضٌ فيه أن يكونوا حماة لهم لا جلادين.
واقع القاصرين المغاربة بين المطرقة والسندان
تتزايد أعداد القاصرين المغاربة غير المصحوبين، الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا عبر مدن مثل سبتة وجزر الكناري، ليلجأوا إلى مراكز إيواء مخصصة لحمايتهم،حيث سجلت وكالة فرونتكس في عام 2023 فقط، وصول نحو 8,000 قاصر مغربي إلى الأراضي الإسبانية، في رحلة محفوفة بالمخاطر تنتهي غالبًا عند مراكز تتسم بالافتقار للحماية الفعلية.
من مركز إيواء إلى فخ للإذلال: خيوط جريمة مدفونة في الصمت
أعلنت منظمة “ماتقيش ولدي”، المعروفة بدفاعها عن حقوق الطفولة، في بيان رسمي، عن رصدها لما وصفته بـ”أحد أكثر أشكال الانحراف المؤسسي فظاعة”، بعد تورط ضابط شرطة إسباني في استغلال قاصرين مغاربة جنسياً مقابل تسهيلات في مساطر اللجوء وتسوية الوضع القانوني.
الضابط كان يشتغل في مراكز استقبال المهاجرين بكل من مدينة سبتة المحتلة وجزر الكناري، مستغلاً موقعه للقاء شبان مغاربة، بعضهم لم يتجاوز سن الطفولة القانونية، في غرف فنادق خارج أسوار المراكز، حيث كان يعرض عليهم وعوداً بتسوية أوضاعهم القانونية، مقابل علاقات جنسية أو تقديم أموال وهدايا.
ورغم جسامة الأفعال، اكتفت السلطات الإسبانية حتى الآن بقرار إداري يقضي بـتوقيف المعني بالأمر عن العمل لـ90 يوماً فقط، دون فتح تحقيق جنائي أو عرض الملف على القضاء المختص، مما يُعد ـ حسب المنظمة ـ تطبيعاً خطيراً مع انتهاكات تمس جوهر كرامة الإنسان وحقوق الطفل، كما تشرح منظمة “ماتقيش ولدي”، أن هذا الفراغ القانوني، يشكل خطراً داهماً على حماية القاصرين، بل ويساهم في تحول مراكز اللجوء إلى مساحات للإفلات من العقاب.
منظمة “ماتقيش ولدي”: صوت الضحايا وصرخة العدالة
لعبت منظمة “ماتقيش ولدي” دورًا محوريًا في الكشف عن هذه الانتهاكات التي تكرّست في مراكز استقبال القاصرين بإسبانيا، فمنذ بداية القضية، لم تتردد المنظمة في توثيق المعطيات، والتحقق من صحة المعلومات التي تم تداولها عبر الإعلام الإسباني، كما ثم إصدار بيانات تضامن وتنديد واضحة، حملت رسالة قوية إلى المجتمع المدني والسلطات القضائية في مدريد.
المنظمة لم تكتفِ بالإدانة، بل دعت إلى ضرورة فتح تحقيق جنائي عاجل، وأكدت استعدادها لتقديم الدعم القانوني والنفسي للضحايا، مطالبة بإنزال العقوبات القصوى بحق المتورطين، وعدم الاكتفاء بتوقيف إداري مؤقت، الذي لا يعكس حجم وخطورة الجريمة التي تمس بشكل مباشر كرامة الإنسان وحقوق الطفل.
أبعاد المأساة الإنسانية والاجتماعية
يواجه القاصر المغربي في هذه المراكز وضعًا إنسانيًا معقدًا، فبالإضافة إلى الهروب من الفقر والبطالة والتهميش في بلدهم الأم، يواجهون في الجانب الآخر الاستغلال والاستهداف من جهات يُفترض أنها تمثل القانون والعدالة.
هذه المأساة المزدوجة تترك أثراً نفسيًا وجسديًا عميقًا، وتزيد من معاناة فئة أكثر هشاشة في المجتمع، مما يحتم على كل المؤسسات الحقوقية والدولية والمجتمعات المحلية مضاعفة الجهود لحمايتهم.
دعوة دولية ومحلية.. لا لهيمنة المافيات على أحلام القاصرين
تدعو منظمة “ماتقيش ولدي” السلطات الإسبانية والمغربية على حد سواء إلى تحمل مسؤولياتها كاملة في حماية القاصرين، مع التأكيد على ضرورة تنسيق الجهود بين البلدين لتفعيل آليات الدعم القانوني والنفسي، وتوفير برامج وقائية فعالة داخل مراكز الإيواء.
كما طالبت المنظمة المجتمع الدولي بممارسة ضغوط أكبر على الحكومات من أجل ضمان احترام حقوق المهاجرين القاصرين، والحد من ظاهرة الاستغلال التي تهدد مستقبل أجيال كاملة.
حتى لا يكون الصمت شريكًا في الجريمة
ما وقع في سبتة وجزر الكناري لا يجب أن يُختزل في حادثة معزولة، بل هو علامة على أزمة أعمق في آليات حماية القاصرين، وفي تعامل الدول الأوروبية مع ملف الهجرة غير النظامية، إنها دعوة للضمير الجماعي في المغرب وإسبانيا وكل العالم، للتفكير في سؤال لا مفر منه:
“هل يُمكن لمجتمع أن يدّعي إنسانيته، وهو يصمت عن جريمة تُرتكب في حق طفل لا يملك إلا جسده؟”
العدالة ليست إجراء إدارياً مؤقتاً، والحق في اللجوء لا يجب أن يكون بوابة للاستعباد الجنسي. ما تطالب به “ماتقيش ولدي” ليس أكثر من إنصاف؛ وما يريده هؤلاء القاصرون ليس أكثر من أن يُعاملوا كبشر.
القاصر المغربي لا يحتاج إلى أضواء الكاميرات، بل إلى حماية حقيقية وحقوق كاملة، بعيدًا عن الابتزاز والإذلال، لأن الكرامة الإنسانية ليست خيارًا بل حق لا يمكن التنازل عنه.