الرئسيةسياسة

حسابات ضيقة تعرقل التنمية بجهة بني ملال خنيفرة

تحرير: جيهان مشكور

في موقف لافت يعكس عمق التوترات المتنامية داخل الأغلبيةالحكوميةا، خرج عادل بركات، رئيس مجلس جهة بني ملال خنيفرة وعضو المكتب السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة، لينتقد بشكل حاد موجه إلى وزراء ينتمون لحزبي التجمع الوطني للأحرار والاستقلال، متهماً إياهم بـ”تهميش متعمد” لمشاريع الجهة وإقصاء ممنهج في عملية التنزيل والتنفيذ، وهو ما يهدد، وفق تعبيره، ركائز الجهوية المتقدمة ويقوض فرص التنمية المجالية المتوازنة.

استياء معلن من الإقصاء المؤسساتي

جاءت تصريحات بركات خلال مشاركته في لقاء حول الجهوية بمدينة بني ملال أول أمس السبت، حيث لم يتردد في الإفصاح عن وجود “تمييز واضح” في التعاطي الوزاري مع جهة بني ملال خنيفرة، منتقداً بشكل خاص وزارات يقودها وزراء من الأحزاب المتحالفة معه في الحكومة ذاتها، خاصة وزارتي السياحة والفلاحة.

وفي مفارقة سياسية غير مسبوقة، كشف بركات عن رفض التأشير على اتفاقية ذات طابع استراتيجي تصل قيمتها الإجمالية إلى 3 مليارات درهم، من طرف وزيرة السياحة، رغم أن مساهمة وزارتها لا تتعدى 200 مليون درهم، ووصف هذا الرفض بكونه “فضيحة سياسية وتنموية”، مستغرباً كيف يمكن لوزارة السياحة أن تتنكر لجهة مصنفة رسمياً كوجهة سياحية وطنية دون أن تتحمل الحد الأدنى من مسؤوليتها في هذا المجال.

جهة “سياحية” بلا وزارة سياحة!

بركات عبّر بصراحة عن استيائه من “تغييب وزارة السياحة لأي دعم حقيقي”، قائلاً: “من العيب والعار أن نباهي بالجهة كوجهة سياحية، بينما الوزارة المعنية تتنصل من أي التزام تنموي، تاركة الجماعات الترابية وحدها في مواجهة تحديات البنية التحتية والتأهيل السياحي”.

وبنبرة لا تخلو من الغضب السياسي، أضاف بركات: “هذا ليس فقط تهميشاً، بل خرق صريح لروح الجهوية المتقدمة التي جاء بها الدستور، ونكوص عن وعود التنمية المجالية المتوازنة التي تروج لها الحكومة في خطابها الرسمي”.

قطاع الفلاحة.. الغائب الأكبر

وفي سياق متصل، لم يُخف رئيس الجهة انزعاجه مما وصفه بـ”غياب تام” لوزارة الفلاحة عن أي تنسيق مع المجلس الجهوي، قائلاً بمرارة: “نحن جهة فلاحية بامتياز، ومع ذلك لا نعلم شيئاً عن ما تقوم به الوزارة في ترابنا، بل لا أحد يتواصل معنا، وهذه الوزارة تبدو وكأنها خارج الجهوية تماماً”.

تلميح بركات يعيد إلى الواجهة إشكالية مركزية القرار في القطاعات الحيوية، واستمرار تحكم الرباط في مفاتيح التنمية رغم الخطاب الرسمي الذي يزعم العكس، وهو ما يتناقض، حسب قوله، مع تطلعات المواطنين في الجهات المهمشة.

حين تصطدم الجهوية بحسابات التحالف

ربما الأخطر فيما كشف عنه رئيس الجهة، هو اتهامه الصريح لبعض الوزارات بممارسة “حسابات سياسية ضيقة”، تعرقل التنسيق الفعلي مع مجالس الجهات، وتكرّس منطق الولاء الحزبي بدل الكفاءة والتنمية، ومع ذلك، لم يفته الإشادة بوزارة إعداد التراب الوطني والإسكان وسياسة المدينة، التي اعتبرها نموذجاً ناجحاً في التنسيق الجهوي، دون اعتبار للانتماءات السياسية.

أزمة داخل التحالف الحكومي: تصعيد أم بداية تفكك؟

تكشف هذه التصريحات، التي تأتي من قيادي بارز في أحد أضلاع التحالف الحكومي، جانباً من الصراع الخفي داخل الأغلبية، وتؤشر على تصدع داخلي قد ينعكس على أداء الحكومة برمتها، خاصة أن تصريحات مماثلة كانت قد اتهمت عادل بركات نفسه باستغلال مجلس الجهة لتمرير مشاريع موجهة لجماعات تابعة لحزب الأصالة والمعاصرة، أو تلك التي يسعى الحزب لاستقطابها سياسياً، وهو ما قد يفسر هذا “الفيتو غير المعلن” من بعض وزارات التحالف.

تنمية الجهات بين مطرقة السياسة وسندان الولاءات

ما يثير القلق اليوم هو أن يصبح المواطن ضحية لصراعات حزبية ضيقة داخل حكومة من المفترض أن تكون منسجمة، فحين تتحول الجهة إلى ساحة لتصفية الحسابات الحزبية، وتتجمد مشاريع بمليارات الدراهم بسبب غياب التنسيق أو حسابات سياسية آنية، فإن الحديث عن “الجهوية المتقدمة” يصبح مجرد شعار للاستهلاك الإعلامي.

فهل ستتدخل رئاسة الحكومة لإعادة ترتيب البيت الداخلي وضمان عدالة مجالية في تنفيذ المشاريع؟ أم أن الصراع الخفي داخل التحالف سيتحول إلى عرقلة ممنهجة للتنمية في جهات تُعد من الأكثر تهميشاً في المغرب؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى