الرئسيةثقافة وفنون

الأوسكار الفخرية تُنصف أخيرا نجم الإثارة توم كروز

بعد أكثر من أربعة عقود من التحليق في سماء هوليوود، وبعد أن قفز من ناطحات السحاب، وتمسك بطائرات مقلعة، وواجه جاذبية النقاد والجمهور معاً… يُمنح توم كروز أخيراً جائزة الأوسكار، لا عن مشهد واحد، بل عن مسيرة كاملة.

أعلنت أكاديمية فنون وعلوم السينما الأمريكية في حفل Governors Awards لسنة 2025، عن منح نجم أفلام الأكشن والإثارة “توم كروز” جائزة الأوسكار الفخرية، في خطوة وصفتها الصحافة بأنها “لحظة تصحيح متأخر لواحد من أكثر المسارات المهنية استثنائية في تاريخ السينما”.

لكن، ماذا يعني هذا التتويج؟ ولماذا يُعدّ حدثاً مفصلياً في مسار كروز وفي علاقة الأكاديمية مع السينما الجماهيرية؟

مسيرة لا تُختصر بجائزة واحدة: من الفتى الوسيم إلى أسطورة هوليوود

وُلد توماس كروز مابوثير الرابع سنة 1962، ولم يكن في حسبان أحد أن ذلك الشاب المغمور الذي شارك في فيلم Endless Love عام 1981، سيتحول إلى رمز سينمائي عالمي يُضاهي بأثره نجوم العصور الذهبية.

تميزت مسيرته بثنائية نادرة: “جاذبية تجارية ساحقة وأداء تمثيلي عميق” ، فمن أدواره في “Rain Man” و”Born on the Fourth of July” التي كشف فيها عن طيف درامي معقد، إلى سلسلةMission: Impossible التي جعلت منه بطل مغامرات خارق بالمعنى الحرفي، ظل توم كروز يدفع بحدود التمثيل والإنتاج والجرأة في آنٍ واحد.

ورغم ترشحه لثلاث جوائز أوسكار (كممثل)، لم يُتوَّج بأيٍّ منها، ما جعل البعض يصفه بـ”الممثل المظلوم أكاديمياً” على مدى عقود.

الأوسكار الفخرية: تكريم للفن أم اعتذار مؤجل؟

عُرفت جائزة الأوسكار الفخرية على أنها وسيلة لتكريم شخصياتٍ كان لها إسهام نوعي واستثنائي في تاريخ السينما، فهي ليست جائزة “ترضية”، بل هي شهادة بانتماء الفائز إلى نادي الكبار، وإن لم تُنصفه الجوائز الرسمية في وقتها.

تمنح هذه الجائزة عادة لشخصيات تجاوزت حدود الأداء الفردي، وغيّرت قواعد اللعبة السينمائية نفسها، وهنا تبرز قيمة منحها لكروز في هذا التوقيت:

* لأنه جسّد مفهوم “النجم السينمائي” في زمن بدأ يشكك في نجوميته.
* لأنه لم يتكئ على اسمه، بل قاتل للحفاظ على وهجه بجرأة وإصرار.
* لأنه حافظ على علاقة عضوية بينه وبين الجمهور، في وقتٍ ابتعدت فيه الأكاديمية كثيراً عن ذوق المتلقي العادي.

و بهذا، تصبح الجائزة الفخرية لتوم كروز “إعلان مصالحة رمزية” بين السينما الجماهيرية ذات الجودة العالية، والمؤسسة الرسمية التي طالما تغافلت عن هذا النوع من الفن.

من يستحق الأوسكار إن لم يكن توم كروز؟

من النادر أن يجتمع النقاد والجمهور على نجم واحد، لكن توم كروز كان من الاستثناءات القليلة، فبحسب إحصاءات Box Office Mojo، تجاوز مجموع إيرادات أفلامه حاجز الـ 11 مليار دولار عالميًا،


لكنه، وعلى عكس كثير من نجوم شباك التذاكر، لم يكتفِ بتكرار نفسه، بل تنوع بين الدراما(Magnolia)، والكوميديا (Tropic Thunder)، والخيال العلمي (Edge of Tomorrow، Minority Report).

ومع كل فيلم، أثبت أنه أكثر من “بطل حركة”، بل فنان حقيقي يعرف كيف يُحرك الكاميرا والجمهور في آنٍ واحد، فهل يُعقل أن يُتجاهل كل ذلك، فقط لأن الأكاديمية تفضل الدراما البطيئة على الأداء الجسدي؟ منح الأوسكار الفخرية له هذه السنة هو بمثابة الجواب الحاسم: “لا، لم يعد يُعقل ذلك.”

لحظة مفصلية في علاقة هوليوود بجمهورها

منح كروز الجائزة في هذا الوقت بالتحديد – أي بعد نجاح فيلم Top Gun: Maverick في 2022 الذي أعاد الأمل إلى شباك التذاكر بعد الجائحة – لم يكن صدفة، فالفيلم لم يكن مجرد تكملة لنموذج الثمانينات، بل درس في كيفية الجمع بين النوستالجيا والتقنية والتأثير العاطفي.

وقد اعتبره كثيرون من داخل الصناعة “المنقذ غير الرسمي للسينما التقليدية”، في مواجهة منصات البث الرقمي، وبالتالي، تُقرأ هذه الجائزة أيضاً كرسالة واضحة من الأكاديمية مفادها: “من لا يُنقذ الصناعة لا يستحق جوائزها، وتوم كروز أنقذها حرفياً.

ما بعد التكريم: هل ينتهي سباق الأوسكار هنا؟

رغم أهمية الجائزة الفخرية، إلا أنها لا تمنع توم كروز من الترشح مستقبلاً لجوائز الأوسكار التنافسية، وهناك من يراهن على أن القادم من أدواره قد يكون دراميًا صِرفًا، يُمهّد لتتويج آخر، ولكن هذه المرة بأوسكار رسمي عن “أفضل ممثل”.

والأهم أن الجائزة أعادت تسليط الضوء على مسيرته من زاوية تقديرية لا تجارية، ما قد يدفع الأكاديمية لتوسيع فهمها لمفهوم “التميز الفني” بعيدًا عن القوالب الجامدة.

لا تُمنح الجوائز العظمى دائماً في وقتها.

أحياناً، تأخذ السينما وقتاً لتستوعب من غيّر قواعدها وأعاد تعريف معاييرها، “توم كروز، بعينين زرقاوين وشغف لا يشيخ، كان ذلك الشخص الذي مزج بين الصناعة والفن، بين المجازفة والدقة، بين الخطر والخلود.

واليوم، بجائزة أوسكار فخرية، لم تُنصفه فقط الأكاديمية، بل أنصفه الزمن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى